هاني صبري - المحامي
في قلب التاريخ المسيحي، تتجلى أهمية مجمع نيقية (325 م) ليس فقط كحدث تاريخي عابر، بل كمنارة تضيء طريق الوحدة للكنيسة الأبدية. ففي تلك اللحظات العصيبة، حيث كانت الهرطقة الأريوسية تهدد الكنيسة ، اجتمع آباء الكنيسة ليوضحوا حقيقة الإيمان ويؤكدوا على وحدة الله الآب والابن والروح القدس.
نقف أمام هذه الذكرى العظيمة بشعور من الامتنان العميق، مدركًا أن وحدة الكنيسة ليست مجرد فكرة بل حقيقة روحية تعيش في قلبي وقلب كل مؤمن. إن إيماني بالوحدة التي أسسها المسيح، وتجسدت في مجمع نيقية، يدفعنا للسعي نحو مزيد من المحبة والتفاهم مع بعضنا البعض في المسيح.
يتساءل الكثيرين لماذا مجمع نيقية مازال مهمًا اليوم؟
1. تأكيد الوحدة في العقيدة: أصدر مجمع نيقية (325 م) قانون الإيمان النيقي، الذي يلخص ويفسر حقيقة الإيمان المستندة إلى الكتاب المقدس، ليكون مرتكزًا أساسيًا لوحدة المعتقد المسيحي عبر العصور.
2. دعوة للتجديد : في عالم مليء بالانقسامات والتحديات، تُذكّرنا ذكرى نيقية بأن الوحدة ليست خيارًا بل ضرورة حياة. الوحدة تعكس قوة الإيمان المشترك وتجعل شهادة المسيح أكثر تأثيرًا.
3. الوحدة في التنوع : كما اتحد الآباء من مختلف المناطق والثقافات حول حقيقة واحدة، تدعونا الكنيسة اليوم للاتحاد في روح المحبة والاحترام المتبادل، مع الحفاظ على تنوعنا الثقافي والروحي.
كيف نستعيد قوة الشهادة المشتركة؟
- الصلاة المستمرة: الصلاة هي السلاح الأقوى لتوحيد قلوب المؤمنين. فلنرفع صلواتنا من أجل وحدة الكنيسة، معتمدين على روح الله المعزي الذي يربطنا برباط الإيمان.
- الحوار المفتوح: تعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة لفهم العقائد بشكل أعمق وبناء جسور المحبة.
- الخدمة المشتركة: المشاركة في الأعمال الخيرية والاجتماعية معًا لتعزيز روح التعاون والوحدة، فالخدمة تجمع القلوب وتظهر محبة المسيح العملية.
نحن نؤيد وندعم كل مسعى جاد نحو وحدة الكنيسة المؤسسة على الكتاب المقدس.
ففي سفر أعمال الرسل (4: 32) نرى صورة حية للكنيسة الأولى، حيث كان للمؤمنين “قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا”. هذه الوحدة كانت نتاج شهادة القيامة وحياة الشركة، والمواظبة على تعليم الرسل.
بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (1: 10) يطالبنا أن “تقولوا جميعكم قولًا واحدًا ولا يكون بينكم انشقاقات، بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد”، لأن تجزئة المسيح أمر مستحيل. كما يذكرنا صلاة الرب يسوع الشفاعية في إنجيل يوحنا (17: 21) “ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني”.
إن وحدة المؤمنين ليست مجرد رغبة بشرية، بل هي انعكاس لوحدة الثالوث الأقدس – وحدة الجوهر، المحبة، المشيئة، والعمل. هذه الوحدة تظهر قوة الإيمان، وتدفع العالم للإيمان بالمسيح، وتؤكد أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
لذلك، نحن مدعوون للسعي نحو وحدة الروح، وحدة القلب، وحدة العمل، بعيدًا عن سلطة الكراسي والتحزب، لكي نكون شهودًا حقيقيين لمحبة الله في عالم يحتاج إلى هذه الوحدة.
فلنتحد في الرجاء، ولنكن أمناء لإرث الآباء، ولنبني بعضنا البعض في المحبة، لتظهر كنيسة المسيح الواحدة.





