بقلم الأب يسطس الأورشليمى

تعتبر السمكة من أهم وأكثر الرموز المسيحية انتشارًا في الشرق والغرب على السواء منذ عصر الكنيسة الأولى، وقد اُتّخِذَت السمكة كرمزٍ للمسيحية منذ القرن الأول الميلادي، فقد عثر على رسومات للسمكة في كهوف ومقابر المسيحيين المتواجدة تحت الأرض، كما زينت السمكة جدران الكنائس المنقوشة بالفسيفساء منذ القرن الرابع الميلادي.
 
 ومن المعروف إن صيد السمك كان الحرفة الأساسية لمعظم سكان فلسطين، أما الصيادون فكانوا يأتون بالسمك ليبيعوه في أورشليم، وكان هناك باب يدخلون منه يسمي باب السمك (أخبار أيام الثاني33: 14)، (نحميا3: 3)، (12: 39)، (صفنيا1: 10).
 
ومن الملاحظ أن بيت صيدا (متى11: 21)، (مرقس6: 45)، (لوقا9: 10)، (يوحنا1: 44) تعني بيت الصيد، لأن أهلها اشتغلوا بصيد السمك. ومن دواعي ربط السمكة بالمسيحية أن السيد المسيح اختار بعض الصيادين ليكونوا بين تلاميذه، لينشروا رسالته ويصطادوا الناس للإيمان برسالته. 
وتنشد الكنيسة البيزنطية: "مبارك أنت ايها المسيح إلهنا الذي أظهر الصيادين جزيلي الحكمة وأنزل عليهم روح القدس وبهم اصطاد المسكونة، يا محب البشر، المجد لك". 
 
وقد استخدم السيد المسيح نفسه رمز السمكة رمزًا لشعبه ورعيته، فعندما دعا تلاميذه قال لهم: "هلم ورائي فأجعلكم صيادي الناس" (متى4: 19)، (مرقس1: 17) ، واستخدم السيد المسيح رمز السمكة في) متى (13: 47) إذ قال: "يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع، والمقصود بكل نوع هنا أنواع البشر المختلفة، وفي) لو 5: 10 (أكد السيد المسيح نفس المعنى بقوله لبطرس: "من الآن تكون تصطاد الناس". وفي هذا المعني يقول القديس كيرلس الأورشليمي (315–386م): "عن السيد المسيح يصطادنا كما بسنارة لا ليقتلنا وإنما ليقمنا أحياء بعد أن نموت".
كما رمزت السمكة أيضاً إلى البعث والخلود وكانت شارة التعارف بين المسيحيين أيام الاضطهاد، وقد رمزوا بها إلى إيمانهم وإلى المسيح الذى هو السمكة التى أرشدت السفينة (الكنيسة) إلى طريق الإيمان.
 
شبه متى فى إنجيله ملكوت السماوات بالشبكة المطروحة فى البحر وجامعه من كل أنواع السمك، وورد ذكر السمك أيضاً فى مواضع متعددة فى الكتاب المقدس بعهديه. 
 
أن الفنان القبطى اقتبس رمز السمكة من الفن المصرى القديم وأنه لم يستخدم رمز السمكة بشكل عرضى إنما كان له مدلوله ومفهومه، ويرى أيضاً أنه عندما تكون هناك سمكتين متقابلتين فهى ترمز إلى السيد المسيح بطبيعته الإنسانية والإلهية أو تعبر عن ناسوت ولاهوت المسيح، كما هو موضح فى الشاهد الحجرى نرى سمكتين متقابلتين  عند الفم وبينهما الصليب رمز الخلاص، ويرى أن وضع الصليب بين السمكتين يؤكد أن الفنان أراد توصيل فكرة ناسوت ولاهوت المسيح من خلال السمكتين.
 
ظهر رمز السمكة فى الفن بمصر فى وقت مبكر من ظهور المسيحية فنرى فى فريسكو مقبرة كرموز القديس أندراوس يحمل سمكتين ثم فى فترة لاحقة فى دير كوم أبوللو فى مشهد معمودية المسيح، فمنذ القرن الثانى الميلادى رمزت السمكة إلى المعمودية، وقد تحدث ترتليانوس (150- 230م) عن المسيحيين كأنهم أسماك صغيرة لربط ذلك مع فكرة الولادة الجديدة فى مياه المعمودية، فلما كانت السمكة لا تستطيع الحياة بعيداً عن المياه فكذلك المسيحى المخلص لا يستطيع أن يحيا آمناً بعيداً عن مياه المعمودية، وقد ظهرت الأسماك فى الفن تطارد بعضها البعض أو يتبع السمك الصغير نظيره الكبير، فهـو هنــا يرمـز للمؤمنين الذين يهتدون من خلال إتباعهم تعاليم المسيح ورجال الدين.
 
كانت السمكة طعاماً للسيد المسيح فى نهوضه فهى ترمز إلى القربان المقدس والعشاء المبارك ومعجزة المسيح فى إشباع خمسة آلاف شخص من سمكتين وبعض الأرغفة، وفى القرن الرابع والخامس الميلاديين، فنجد هذا الرمز مصور بكثرة مع الخمر وسلة الخبز كرمز للعشاء الأخير.
 
كان السمك هو الطعام الذى قدمه المسيح لشعبه يرمز به عن نفسه وهو ما اتضح فى الأناجيل الأربعة (متى- مرقس- لوقا – يوحنا) ، وأطلق آباء الكنيسة المبكرين على المسيحيين المخلصين وخاصة الشهداء منهم لفظ Pisciculi وأطلقوا على الحواريين صيادى الناس وهو ما جاء ذكره فى الكتاب المقدس؛ فقد كانت السمكة رمز المخلصين والحواريين العائمين فى مياه الخلود. 
 
ورمز السمكة له أهمية خاصة في العهد الجديد, حيث تُذكر كلمة سمكة بمشتقاتها حوالي سبع وعشرون مرة في البشائر الأربعة فقط (متى، مرقص، لوقا، يوحنا)، وعلى سبيل المثال، معجزة الخمس أرغفة والسمكتين التي أشبعت خمسة آلاف رجل بغير النساء والأطفال، وتبقى منها بعدما شبعوا إثني عشر قفة مملوة (مرقس34:6-44). ومعجزة السبع خبزات والقليل من السمك التي أشبعت أربعة آلاف شخص، وما تبقى بعدما شبعوا كان سبع سلال (مرقس1:8-10). وفي العهد القديم كانت فكرة أن المسيح يسوع هو "يشوع الجديد"، وأن "يشوع بن نون" رمز للمسيح يسوع، فالاسم هو ذاته، ويسوع المسيح جعلنا نعبر نهر الأردن إلى أرض الميعاد. وبما أن لفظة "نون" في العبرية تعني "سمكة" فاسم يشوع بن نون يعني أنه "ابن السمكة" وهو رمز ليسوع المسيح، وقد قام يسوع المسيح باصطياد الناس وأولهم الرسل صيادي الناس وقام بإشباع الجموع بالسمك مع الخبز.
 
والخدمة نفسها قد شبهت بالصيد، وكما أن صيد السمك له طريقتان في عملية الصيد نفسها، فقد تمسكه صنارة، وقد تقتنصه شبكة، إنما يشير إلى عمل المسيح الكرازي في جذب النفوس، فكثيرًا ما يجذبهم عن طريق العمل الفردي (الصنارة)، أو عن طريق العمل الجماعي (الشبكة). وتجدر الإشارة أن صيد السمك ينقل الأسماك من الحياة إلى الموت، ولكن الصيد في الخدمة والعمل الروحي ينقل الإنسان من الموت إلى الحياة. في العصور الأولى للمسيحية كان الحكام الوثنيون يضطهدون المسيحيين، فكان المسيحيون يتعرفون على بعضهم برسم السمكة كعلامة تعارف، كانت السمكة هي الرمز والإشارة "بسبب الاضطهادات" فكانت فالتقليد يذكر لنا: عن المسيحي في عصور الاضطهاد أنه عندما كان يتقابل مع نظيرة المسيحي، يرسم له نصف جسم سمكة، فيبادله الآخر برسم نصفها الثاني، فيتعارف الاثنان على أنهما مسيحيان
 
وكلمة (سمكة) باليونانية ΙΧΘΥΣ تحوي الحروف الأولي لكلمات :ἸησοῦςΧριστός, ΘεοῦΥἱός, Σωτήρ أي: يسوع المسيح ابن الله المخلص. هكذا يفسّر القديس اغسطينوس (354–430م) استخدام رمز السمكة: "ومن الكلمات الخمس، إذا جمعتم الحروف الأولى لكلماتها تحصلون على ΙΧΘΥΣ الايخثيس أي السمكة التي يُشار فيها سرّيّا إلى اسم المسيح .
 
 كما ترسم السمكة أيضا مع مرساة (هلب) وهو أحد رموز القرن الأول ومعناه أن يسوع المخلص كونه الرجاء (المرساة) الثابتة لحياه الفرد، فرغم ما قد يمر به الإنسان من أحداث فهو ثابت في السيد المسيح رجاء الأمم. 
 
كما استخدم الفنان القبطي السمكتين المتقاطعتين كرمز يؤكد به الارتباط بين الشكل الرمزي والعقيدة أي ارتباط الرمز بالمرموز إليه فالسمكتين المتقاطعتين يكونان الحرف الأول من اسم المسيح باليونانية، ويشكلان صليبا.
وهناك من يعتقد أن رمز السمكة قد وصل إلى أقصى مراحل تطوره بواسطة تجميع أو ضم ثلاثة أسماك ملتفة على بعضها بشكل زخرفي داخل شكل المثلث. كما ظهرت أيضاً الثلاثة أسماك داخل شكل المثلث ولكنها مشتركه برأس واحد. وفي ذلك رمزية أو إشارة لمفهوم الثالوث في المسيحية
 
أيضاً آباء الكنيسة الأولين شبهوا المسيحيين بالسمك. لأنه يتم اصطياد آلاف السمك من البحر حتى يُظن أن السمك قد انتهى من البحر ولكنه لا ينتهي. هكذا المؤمنين، ففي أيام الاستشهاد يقتل الآلاف منهم ويُظن أن المسيحيين سوف ينتهون من العالم ولكن هذا لا يحدث، فمهما يخرج من بحر العالم، ومهما تصطاد شبكة الكرازة مؤمنين لملكوت الله، يظل هناك مؤمنين في بحر هذا العالم. فلذلك أصبح المؤمنون يُشبهون بالسمك. ونظرا لأن السمكة تضع الكثير من البيض فهي رمزا للرخاء والخير.
 
ومنذ الأجيال الأولى والمسيحيون يتخذون من السمكة رمزا لهم في كثير من فنونهم وصناعاتهم، فقد كان الفنانون القدماء ينقشون السمكة على حامل الأيقونات (الإيقونستاس)، والفيلسوف المسيحي "إكليمندس السكندري" (150–215م) أوصى بنقش السمكة على الأختام الكنسيّة.
وفي متحف موسكو وجدت قطعة نسيج مصري. هي لنسيج مزخرف بسمكة باللون الأخضر متدرجة حتى ينتهي إلى الأصفر والزعانف ملونة باللون الأحمر ويبدو كما لو كانت تسبح في الماء معبرا عن حركة وحيوية بالتواء جسم السمكة.
 
وفي المتحف القبطي "أزيار" قديمة لتخزين الحبوب وغيرها وعليها رمز السمكة، ويوجد ضمن معروضات المتحف القبطي "مذبح" أثري من الحجر الجيري، إذ يرجع إلى القرن الرابع الميلادي وعليه شكل حمامة في الوسط وسمكة عن يمينها وأخرى عن يسارها، ومحلاة بشكل نباتي يرمز للكرمة المقدسة كما توجد صورة تمثل قطعة من الحجر الجي
 
يري عليها نقش يمثل صليبا بين اثنين من حيوان الدولفن وعلى الجانبين زخارف نباتية، فالصليب علامة الخلاص في المسيحية والدولفن رمز لخلاص الإنسان من الغرق. وبهذا فإن "السمكة" في الفن المسيحي بصفة عامة وفي الفن القبطي بصفة خاصة ترمز: للسيد المسيح، وترمز للمؤمنين، وترمز للإيمان المسيحي، وترمز للخلاص، وترمز للمعمودية، وترمز للرخاء والبركة والخير.