نادر شكري
تحولت محافظة المنيا، وفق تحليل الكاتب والصحفي أكرم الفي، إلى ما يمكن وصفه بـ"عروس الفتنة الطائفية" في مصر منذ مطلع القرن الحالي، حيث تتصدر قرى المحافظة معدلات التوترات والأحداث ذات الطابع الطائفي مقارنة بباقي محافظات الجمهورية.
ويرى الفي أن مدرسة الديموجرافيا السياسية تقدم تفسيرًا مهمًا لفهم جذور هذا المشهد، إذ يجتمع في ريف المنيا مزيج من الفقر، وضعف التعليم، وارتفاع نسبة الشباب، إضافةً إلى الكثافة السكانية العالية للأقباط في قرى ريفية محدودة الموارد، ما يجعلها – بحسب وصفه – “تربة خصبة للعنف الاجتماعي الذي يتخذ الشكل الطائفي الأسهل”.
ويشير الكاتب إلى أن نسبة الأقباط في ريف المنيا تتجاوز 15%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية محافظات الصعيد، حيث يتركز الأقباط عادة في المدن لا القرى. ومع ارتفاع عدد سكان المحافظة إلى نحو 6.58 مليون نسمة، بينهم 4 ملايين في الريف، يزداد الضغط على الأرض والخدمات، ما يخلق توترات مجتمعية متكررة.
ويؤكد الفي أن معدلات الفقر في ريف المنيا تتجاوز 70% وفق إسقاطاته، بينما تصل النسبة الرسمية على مستوى المحافظة إلى 54% بحسب وزارة التخطيط، إضافة إلى أن نسبة التعليم الجامعي في الريف تعد الأدنى في مصر. هذه العوامل مجتمعة – برأيه – تجعل الصراع الاجتماعي يأخذ طابعًا طائفيًا، وغالبًا ما يكون الأقباط هم الطرف الأضعف في معادلة العنف.
ويضيف الفي أن أغلب الأحداث التي تشهدها المنيا تنشأ من صراعات بسيطة مثل بناء دور عبادة أو خلافات عائلية أو علاقات اجتماعية فردية، لكنها تتطور سريعًا إلى نزاعات ذات طابع ديني.
ويشدد الكاتب على ضرورة فرض سلطة القانون بشكل صارم لحل الأزمات الراهنة، مع وضع خطة تنموية متوسطة المدى تركز على التعليم الجامعي وتحويل الريف إلى بيئة حضرية جديدة تستوعب النمو السكاني وتقلل حدة الصراع.
ويضرب الفي مثالاً بمحافظة أسيوط، التي كانت تُعرف سابقًا بأنها مركز التوترات الطائفية في الصعيد، إلا أن تحسن التعليم الجامعي وتوسع المدن خلال العقود الأخيرة ساهما في انخفاض العنف الطائفي فيها إلى أدنى مستوياته، على عكس المنيا التي لا تزال تشهد تكرارًا للأحداث ذات الطابع الديني.
ويصف الكاتب المشهد في ريف المنيا بأنه تجسيد لشيطان الديموجرافيا، حيث تتحول الخلافات اليومية إلى صدامات دينية بسبب غياب الدولة وانتشار الفقر والجهل.
وفي ختام مقاله، يتفق أكرم الفي مع النائبة مها عبد الناصر في ضرورة التعامل مع أحداث المنيا بوصفها وقائع طائفية تمسّ نسيج الوحدة الوطنية، وليست مجرد حوادث فردية، مؤكدًا أن الحل لا يكون في التصالحات الشكلية أو المعالجات الأمنية المؤقتة، بل في فهم الجذور الاجتماعية والثقافية للأزمة ومعالجتها بعمق.





