بقلم الأب يسطس الأورشليمى
الامتلاء في الكتاب المقُدس لا يعنى الكم بل بالأكثر الكيف، بهذا لا نفهم الامتلاء بالروح بطريقة مادية وإنما تعني إعلان الروح ذاته فيها، وتأكيد حضرته في داخلنا بعمله في حياتنا..

الملء يعني تحقيق غايته، وبلوغه مقاصده الإلهية فينا، الامتلاء ليس أمراً لم نأخذه من قبل أو لم نُمارسه ولم نعرفه، بل هُو نمو وتحقيق لعمل الله فينا، فالروح يُعطى للإنسان قدر استعداده، وكأن الروح لا يكف عن أن يُعطي مادام الإنسان يفتح قلبه لعمله ويتجاوب معه..

الامتلاء إذن ليس حلول خارجي نتقبله، لكن قبول عمل الروح فينا، وتمتع بقوته العاملة داخل النفس، مثال بُولس عندما قاومه عليم الساحر، يقول الكتاب: أما بُولس فامتلأ من الرُوح القدُس وشخص إليه وقال: أيها المُمتليء كُل غش وكُل خبث، يا إبليس! يا عدو كُل برّ! ألا تزال تُفسد سُبل الله المُستقيمة؟ راجع الكتاب (أع8:13-11)..

لا يفتكر أحد أن بُولس لم يكن مملوءً من الروح عندما تحدث مع الساحر لكن الرُوح القدُس الساكن فيه ملأه قوة ليقف أمام الساحر الذي يحمل قوة الشرّ، قدم له الروح القوة للتغلب عليه..

الامتلاء هو نمو في الحياة مع السيد المسيح بالرُوح القدُس الذي يثبت فرح المسيح فينا ويُكمل فرحنا (يو11:15)، وكُل الذين اقتربُوا من النعمة، وتعلموا من الرُوح القدُس، قد عرفوا أنفُسهم حسب جوهرهم العقلي، فصرخوا قائلين: إذ لم تأخذوا رُوح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب .. فإن كنا أولاداً فإننا ورثةٌ أيضاً، وشركاء في الميراث مع القديسين (رو15:8-17).. 

الأرض امتلأت من تسبيحه (مز10:48)..
امتلأت أفواهنا ضحكاً وألسنتنا ترنماً (مز126)..
مجده ملء كُل الأرض .. رأيت السيد جالساً على
كرسي عال، ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل..
راجع الكتاب (إش1:6-3؛ حب3:3)..

افترض أن الدائرة هي العالم، ومركزها هُو الله والأشعة من المركز إلى المُحيط هي طريق البشر، وبقدر ما يتحرك القديسُون في داخل الدائرة تجاه المركز راغبين في الاقتراب من الله، يقترب كُل منهما للآخر..

فأرسل شعاعاً وابتهاجاً حيثما سرت، وافرش أزهار الأخلاق الطيبة وساعد الغير برُوحك البهجة وكلماتك الحلوة، بحبك ولطفك وعطفك وحنانك فليس البؤس أن تكون فاقد البصر، لكن البؤس ألاّ تستطيع احتمال فقد البصر، فعناية الله لنا كاملة الذي يُحصي شعر رأسك، ويحفظ دموعك ويُسجل كلماتك ويسمع تنهداتك وزفراتك، وتذّكر أن السعادة ليست مسألة داخل بل خارج، وعلى قدر ما تستطيع أن تجعل الآخرين سعداء، تكون أنت في سعادة وهناء، ومغبُوط هُو العطاء أكثر من الأخذ..

هذا ينطبق على تسلق الجبال الرُوحية، فلكي تصعد النفس إلى قمة جبل تابور، وترى هناك مسيحها المتجلي (مت1:17-9)، وتدرك أسرار الكنيسة المُمتدة في العهدين القديم والجديد، وتدخل في حوار مع موسى، وإيليا وبُطرُس، ويعقُوب، ويُوحنا، فعلى النفس أن تُثبّت: 

أولاً: يديها وقدميها على المسيح صخر الدهور، وتتحرك بحركات هادئة ثابتة بقيادة الروح القدس، وتثبت في تدريب روحي لفترة ما، ثم تتحرك صاعدة وهي مُلتصقة بالرّب يسُوع قائدها ومُعينها، فترتفع في أمان.. 

ثانياً: في صعُودنا رُوحياً لا نتحرك وحدنا بفكر فردي مُنعزل، بل نتحرك مع أخوتنا بفكر جماعي كنسي، فإن سقط أحد يُقيمه الآخرُون..