محرر الأقباط متحدون
في إطار الزيارات الدراسية الخاصة ببرنامج المعهد اللاهوتي المسكوني العالمي (GETI) التابع لمجلس الكنائس العالمي (WCC) لعام 2025، قام المشاركون في البرنامج بزيارةٍ مميّزة إلى كاتدرائية المرقسية الكبرى (الأنبا رويس) القبطية الأرثوذكسية في العباسية، والتي تُعدّ أحد أبرز المعالم الكنسية في الشرق الأوسط، ومقرّ الكرسي البابوي للإسكندرية.

كما أُتيح للمشاركين أيضًا زيارة الكاتدرائية البطرسية الملحقة بالمقر البابوي، وهي من أقدم الكنائس القبطية في القاهرة، وقد اكتسبت مكانة خاصة في الوجدان القبطي والعالمي بعد أن شهدت في ديسمبر 2016 حادث التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة عدد من الشهداء الأقباط أثناء صلاتهم، فغدت رمزًا للشهادة والإيمان الراسخ وسط الألم.

وخلال الزيارتين، تعرّف الوفد على تاريخ الكنيستين ودورهما في الحياة الروحية والليتورجية للكنيسة القبطية، وما تمثلانه من شهادةٍ حيّة للإيمان الثابت والرجاء المتجدد في حياة الأقباط.

كما تُعتبر كاتدرائية المرقسية، التي أُنشئت عام 1968، علامة فارقة في مسيرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إذ تُعدّ أكبر كاتدرائية في إفريقيا والشرق الأوسط وتتسع لنحو 5000 مصلٍّ. وقد شُيّدت تزامنًا مع نقل الكرسي البطريركي من الإسكندرية إلى القاهرة، لتكون شاهدًا على مرحلة جديدة في التاريخ الكنسي المصري.

وتضم الكاتدرائية مقصورة أثرية تحت المذبح تحوي رفات القديس مرقس الإنجيلي، كاروز الديار المصرية ومؤسس الكنيسة القبطية، لتظلّ علامةً حيّة على استمرارية الإيمان الرسولي عبر القرون.

كما عبّر القس الدكتور تشاد ريمر، المشرف الأكاديمي في برنامج GETI والتابع للكنيسة اللوثرية الإنجيلية في أمريكا، عن تأثره العميق بهذه الزيارة، مشيدًا بحفاوة الاستقبال التي أولاها قداسة البابا تواضروس الثاني والكنيسة القبطية الأرثوذكسية للوفد.

وقال ريمر: «لقد أثّر فيّ هذا الترحيب بعدة طرق. وأكثر ما شدّني هو الأيقونات التي لا تكتفي بأن تكون نوافذ نحو الإلهي، بل تروي تاريخ الكنيسة القبطية وتعبّر عن روحها العميقة».

وأضاف: «إن زيارة هذا المكان لا تتحدث عن الماضي فحسب، بل تكشف عن إيمانٍ حاضرٍ حيٍّ نابض، من رفات القديس مرقس والقديس أثناسيوس إلى شهادات الإيمان الممتدة عبر العصور، حيث تتجلى أمامنا كنيسة متجذّرة في التاريخ ومفتوحة على الحاضر والمستقبل».

كما أتاحت الزيارة للطلاب المشاركين فرصة فريدة للتعرّف على الروحانية القبطية، التي تمتزج فيها اللاهوت بالنسك، والرمز بالخبرة الليتورجية. فقد وقف الوفد أمام عظمة الأيقونات والتراتيل والعمارة الكنسية التي تعكس وحدة الإيمان والتقوى في الكنيسة القبطية.

كما اطّلعوا على الأنشطة المتنوعة التي تُقام في مجمّع الكاتدرائية، من الصلوات الطقسية ودروس الكتاب المقدس والبرامج الشبابية والخدمية، والتي تُبرز عمق الحضور الكنسي في المجتمع المصري المعاصر.

تأتي هذه الزيارة ضمن الجلسة الحضورية لبرنامج GETI المنعقدة من 12 إلى 29 أكتوبر 2025 في دير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون، بالتوازي مع انعقاد المؤتمر العالمي السادس للإيمان والنظام، أحد أبرز محافل مجلس الكنائس العالمي.

وتُعدّ الزيارة خطوة مهمّة في مسيرة التبادل اللاهوتي والثقافي بين الكنائس، إذ تمكّن المشاركين من لمس الواقع الحيّ للكنيسة القبطية، ليس فقط كمؤسسة تاريخية، بل ككنيسة شاهدة للمسيح في الشرق منذ القرون الأولى.
و في ختام الزيارة، عبّر المشاركون عن امتنانهم العميق لما اكتشفوه من غنى روحي ولاهوتي في التراث القبطي، مؤكدين أنّ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تمثّل جسرًا روحيًا بين الماضي الرسولي والحاضر المسكوني.

لقد كانت الزيارة، بحق، لقاءً بين الإيمان القديم والرجاء المتجدد، حيث التقت أجيال جديدة من اللاهوتيين من مختلف أنحاء العالم بجذور المسيحية في أرض مصر، ليشهدوا بأنّ الإيمان القبطي لا يزال ينبض بالحياة، حاملاً رسالته إلى العالم بروح الشركة والمحبة.