ماجد سوس
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة أداة مذهلة يمكنها أن تسهّل حياة الإنسان وتفتح أمامه آفاقاً جديدة في مجالات التعليم، والطب، والبحث العلمي، والإنتاج.
 
إنها أداة مذهلة لجمع المعلومات وتنظيم الحياة في ثوان معدودة ومع ذلك، فإن هذا التقدم السريع يحمل في طيّاته خطراً كبيراً إذا وُضع في أيدي أشخاص لا يخافون الله ولا يراعون القيم الأخلاقية والقانونية. فالتقنيات التي صُممت لخدمة البشرية يمكن أن تتحوّل إلى أدوات مدمّرة إذا استُخدمت في الكذب والتضليل والابتزاز وتشويه السمعة والوقيعة بين الناس.
 
أصبح بإمكان البرامج الحديثة اليوم تقليد الأصوات بدقة مذهلة، بحيث يصعب على الإنسان العادي أن يفرّق بين الصوت الحقيقي والمزيّف. وقد استخدم بعض الأشرار هذه التقنية للإيقاع بالآخرين، سواء في المجال المالي أو الاجتماعي أو الأخلاقي. يكفي أن يأخذ الأشرار صوتك ويضعون عليه كلمات لم تقلها. والأمثلة كثيرة ففي إحدى القضايا، تمكّن مجرمون من تقليد صوت مدير شركة كبرى لإقناع أحد الموظفين بتحويل مبلغ مالي ضخم إلى حساب وهمي. وفي حالات أخرى، تم تقليد أصوات الأزواج أو الأصدقاء لإشعال الخلافات بينهم ونشر الفتنة داخل الأسر والمجتمعات.
 
ولم يتوقف الأمر عند حدود الحياة الخاصة، بل تجاوزها إلى السياسة والإعلام. فقد شهد العالم في السنوات الأخيرة انتشار مقاطع فيديو وصوت مزيفة تُظهر قادة سياسيين وهم يقولون أو يفعلون أشياء لم تحدث مطلقاً. هذه المقاطع تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتؤثر في الرأي العام وتشعل الصراعات. وفي بعض الدول، استُخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح للتأثير في الانتخابات من خلال نشر خطابات وصور مزيفة تهدف إلى تضليل الناخبين وتشويه سمعة المرشحين.
 
هذه الظواهر الخطيرة أثارت قلقاً واسعاً لدى الأجهزة الأمنية والقضائية في مختلف الدول. ولكن الخبر السار هو أن التقدّم العلمي لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الخطر. فقد طورت الشرطة والهيئات القضائية في السنوات الأخيرة أدوات متقدمة لتحليل الصوت والصورة والفيديو واكتشاف العلامات التقنية التي تدل على أن المحتوى ناتج عن الذكاء الاصطناعي. وبات بالإمكان اليوم التمييز بين التسجيلات الحقيقية والمزيفة من خلال دراسة الترددات الصوتية وتحليل الظلال والإضاءة في الصور ومقارنة البيانات الرقمية. كل هذا مع تشديد العقوبة التي تصب بجانب السجن إلى دفع تعويض مالي عن مكالمة أو فيديو تم تسجيله لك.
 
على أن المواجهة لا يمكن أن تعتمد على التقنية وحدها، بل يجب أن تكون شاملة تشمل الوعي الاجتماعي والقانوني والتربوي. يجب على الأفراد أن يتعلّموا الشك الذكي، وألا يصدقوا كل ما يسمعونه أو يشاهدونه دون تحقق، وعلى المؤسسات أن تطور سياسات واضحة للتحقق من المعلومات قبل تداولها. وأنت أيضا عزيزي، قبل أن تصدق أي شيء أو تحكم على أحد، عليك أن تعي أن هناك طرق متطورة، كما أسلفنا، لتقليد صوتك وصورك وفيديوهاتك والأمر بات، جد، خطير، يتطلب منك ألا تتسرع في الحكم على أحد قبل أن تعرف الحقيقة من متخصص تثق فيه.
 
إن الذكاء الاصطناعي ليس عدواً في حد ذاته، لكنه يصبح كذلك عندما يُستخدم بلا ضمير. فكما أن النار تُدفئ وتطبخ إذا أُحسن استخدامها، فإنها تحرق وتدمّر إذا أُسيء توظيفها. لذلك فإن مسؤوليتنا جميعاً – كأفراد ومجتمعات وحكومات – أن نضع الضوابط الأخلاقية والقانونية التي تمنع تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة في يد الشر. فالمستقبل يعتمد على وعي الإنسان، وليس على ذكاء الآلة.
 
نعم هناك من يضع نفسه أداة في يد الشيطان متناسيا الوقوف يوما أمام الله الذي سيجازي كل واحد عن أعماله. فلنصلِّ يا أحبائي ليبدد الله مشورة الأشرار في كل مكان وزمان.