محرر الأقباط متحدون
التأمل في حياة التنسك اليوم ودعوة الله إلى التعبد والصلاة الداخلية، كان هذا محور كلمة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر خلال استقباله اليوم السبت مجموعة من النساك الإيطاليين في إطار الاحتفال بيوبيل الحياة المكرسة.

استقبل البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم السبت ١١ تشرين الأول أكتوبر مجموعة من النساك الإيطاليين وذلك في إطار مشاركتهم في الحياة المكرسة'> يوبيل الحياة المكرسة. وفي بداية كلمته شكرهم الأب الأقدس على حضورهم مشيرا إلى أن هذا اللقاء يشكل فرصة للتأمل حول الدعوة إلى حياة التنسك في الكنيسة وفي العالم الحالي. وتابع قداسة البابا أنه يريد أن يبدا بكلمة قالها الرب للمرأة السامرية حسبما جاء في إنجيل القديس يوحنا: "لكِن تَأتي ساعةٌ – وقد حَضَرتِ الآن – فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ فمِثْلَ أُولِئكَ العِبادِ يُريدُ الآب" (يو ٤، ٢٣). وواصل الأب الأقدس أن الآب يريد ويدعو في كل زمن رجالا ونساءً ليعبدوه في نور روحه والحقيقة التي كشفها ابنه، يدعو الآب نساءً ورجالا ليكرسوا أنفسهم بالكامل له ويسعوا إليه ويصغوا إليه، يسبحوه ويتضرعوا إليه نهارا وليلا في خُفية القلب. وذكَّر البابا لاوُن الرابع عشر بكلمات يسوع "أمَّا أَنْتَ، فإِذا صَلَّيْتَ فادخُلْ حُجْرَتَكَ وأَغْلِقْ علَيكَ بابَها وصَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيك" (متى ٦، ٦). وتابع قداسته أن الرب يدعو أولا إلى الدخول إلى ذلك المكان الخفي في القلب منقبين فيه بصبر، يدعو إلى انغماس داخلي يستدعي مسيرة إفراغ وتجرد للذات. وما أن ندخل، تابع الأب الأقدس، يدعونا الرب إلى أن نغلق باب الأفكار السيئة للحفاظ على قلبنا نقيا ومتواضعا ووديعا وذلك من خلال اليقظة والكفاح الروحي، وحينها فقط يمكننا أن نترك أنفسنا بثقة للحوار الحميمي مع الآب الذي يسكن في الخُفية وفيها يرى، وفي الخُفية يغمرنا بعطاياه.

إن هذه الدعوة إلى التعبد وإلى الصلاة الداخلية والتي هي موجهة إلى كل مؤمن، واصل البابا لاوُن الرابع عشر، تُدعون أنتم النساك إلى عيشها بشكل تأملي كي تكون في الكنيسة شهادة لجمال الحياة التأملية. وتابع الأب الأقدس أن هذا ليس هروبا من العالم بل هو ميلاد جديد للقلق كي يكون قادرا على الإصغاء وينبوعا للقيام، بابتكار وخصوبة، بأعمال المحبة التي يحفزنا عليها الله. وواصل الحبر الأعظم مشددا على الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى هذه الدعوة إلى الداخلية والصمت من أجل العيش في علاقة مع الذات ومع القريب، مع الخليقة ومع الله، وذلك في عالم مغترب في خارجية وسائطية وتكنولوجية. وشدد البابا هنا على أنه من الصداقة الحميمة مع الرب يولد مجدَّدا فرح الحياة والاندهاش بالإيمان ومذاق الشركة الكنسية.

وواصل البابا لاوُن الرابع عشر حديثه إلى النساك الإيطاليين مشيرا إلى أن ابتعادهم عن العالم لا يفصلهم عن الآخرين بل يوحدهم في تضامن أكثر عمقا. وذكَّر قداسته هنا بما كتب إيفاغريوس البنطي أن الناسك هو مَن هو بانفصاله عن الجميع في وحدة مع الجميع، وذلك لأن الوحدة في الصلاة تخلق الشركة والعطف إزاء الجنس البشري كله وكل خليقة وذلك سواء على الصعيد الروحي أو في الإطار الكنسي والاجتماعي الذي أنتم فيه خميرة الحياة الإلهية، قال البابا للنساك.

ثم تحدث قداسة البابا عن الناسك الأبرشي والذي هو شخصية في علاقة منفتحة مع الجسد الكنسي ومع جسد التاريخ. وواصل قائلا للنساك إن حضورهم البسيط وشهادتهم يصبحان ثمينَين وخصبَين من خلال الشركة مع الأسقف والعلاقة الأخوية مع الرعاة، وذلك لأنهما ينميان النفحة الروحية للجماعة المسيحية. وأوضح البابا أن هذا ينطبق بشكل خاص على المناطق الداخلية أو الريفية التي يقل فيها عدد الكهنة والرهبان، إلا أن أيضا في الأوساط العمرانية، فاقدة الهوية والمُركَّبة والتي تطبعها مشاعر الوحدة، يصبح حضور النساك واحة شركة مع الله ومع الأخوة.

ومن بين ما أراد البابا لاوُن الرابع عشر تسليط الضوء عليه كون النساك، وإلى جانب البقاء أمناء لما تَلَقوا من آباء الكنيسة فيما يتعلق بالحفاظ على كلمة الله، مدعوين إلى قراءة التحديات الروحية الجديدة من خلال إبداع الروح القدس، فهو مَن يجعلكم منفتحين على الحوار مع جميع مَن يبحثون عن المعنى وعن الحقيقة، ويُعَلمكم تقاسم وتوجيه يحثهم الروحي الذي غالبا ما يكون متخبطا. وأضاف الأب الأقدس قائلا للنساك أن بإمكانهم تحفيز القريب على الدخول مجدَّدا إلى ذاته والعثور مرة أخرى على مركز القلب، فهناك، في أعماق النفس، يمكن لكل شخص اكتشاف نار التوق إلى الله المتقدة والتي لا تنطفئ أبدا. وقال قداسته للحضور إنهم حراس هذه الرغبة التي تسكن كل شخص وشهودها كي يتمكن الجميع من اكتشافها وإنمائها داخلهم.

وفي ختام كلمته طلب البابا لاوُن الرابع عشر من النساك الدخول في سر شفاعة المسيح لصالح البشرية جمعاء بأن يقبلوا بوضع أنفسهم بين الخليقة الضعيفة، والتي يهددها الشر، والآب الرحوم ينبوع كل خير. ودعاهم إلى أن يبحروا مع الكنيسة كلها مثَبتين أنظارهم على يسوع وفاتحين أشرع القلب على روحه، روح الحياة، في بحر التاريخ العاصف نحو ملكوت المحبة والسلام الذي يعده الآب للجميع.