بقلم: بروفيسور دكتور طلعت مليك 
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاقد العزم على تنفيذ خطته الخاصة بقطاع غزة، سواء عبر المحادثات أو حتى إذا فشلت هذه المحادثات، من خلال ضربات عسكرية واعدة من الإدارة الأمريكية.
 
وكما قال ترامب بنفسه، ستكون هذه الضربات "عبارة عن نار جهنم"، وللأسف، هذا السيناريو يبدو متوقعًا في حال فشلت المحادثات، بل إن كل المؤشرات الحالية تسير في هذا الاتجاه.
 
أصدقائي، نقطة أخرى هامة هي أن الغرب اليوم مشغول جدًا بفرنسا، حيث تعيش البلاد أزمة سياسية كبيرة وغير مسبوقة، لكن قبل أن ننتقل إلى فرنسا، دعونا نبدأ أولًا بخصوص قطاع غزة.
 
نرى اليوم أن الموقف في غزة إما سلام وهدوء، ولو مؤقتًا، وإما ضربات عسكرية أمريكية قد تفوق الخيال ضد المسلحين في القطاع، بحسب ما وعد به الرئيس ترامب بأنهم "سوف يعيشون نار جهنم".
 
نعم أصدقائي، نرى الموقف باختصار شديد على هذا النحو: لقد وُضعت حركة حماس بين فكي كماشة، أحد فكيها هو القوة الرهيبة التي يمثلها الرئيس ترامب، رئيس أقوى دولة في العالم، أما الفك الآخر فهو الدهاء الشديد الذي يمثله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
 
وواضح أن الرئيس ترامب عاقد العزم على الوصول إلى مبتغاه، سواء عبر المحادثات أو بغيرها، في قضية قطاع غزة، ليس فقط من أجل استعادة الرهائن، بل أيضًا لنزع سلاح حركة حماس بالكامل.
 
وبحسب ما صرّح به بعض قادة الحركة، فإن عدد المسلحين في قطاع غزة من حماس وغيرها يزيد على 70 ألف مسلح، وحتى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن الكيفية التي سيتم التعامل بها مع هؤلاء المسلحين، أو عن الدولة التي يمكن أن تستقبلهم إذا أصرّ ترامب على خروجهم جميعًا من القطاع.
 
أصدقائي، من المهم الإشارة إلى أن خطة ورغبة الرئيس ترامب تتم بموافقة ومباركة بعض الدول العربية والإسلامية.
وبالطبع، نحن نتمنى أن تؤدي المحادثات إلى السلام، ولكن، ومع كل المؤشرات الراهنة، يبدو أن هذه المحادثات ليست سوى مسألة لكسب الوقت، بمعنى أنه، وعلى لسان ترامب نفسه، سيقول في النهاية: "لقد أعطيناهم الفرصة ولكنهم لم ينتهزوها"، وعندها قد تشارك القوات الأمريكية فعليًا على الأرض.
 
وباختصار وبكل المقاييس، فإن الرئيس ترامب ماضٍ في مسعاه لتنفيذ خطته القائمة على القوة والدهاء، سواء نجحت المحادثات أم فشلت، وهذا هو الاحتمال الأقرب في الأيام القليلة القادمة.
 
فرنسا وأزمتها السياسية: استقالات متتالية وغضب شعبي متصاعد
 
أما بخصوص فرنسا، فالوضع لا يقل اضطرابًا عن الشرق الأوسط.
فبعد مرور سبعة وعشرين يومًا فقط على تعيينه، أصبح رئيس وزراء فرنسا، سيباستيان ليكورني، أقصر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الخامسة عمرًا في منصبه، إذ قدّم استقالته صباح اليوم، لتكون هذه الحكومة الثالثة هذا العام التي تقدم استقالتها.
 
من جانبه، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون حالة من عدم الاستقرار السياسي غير المسبوقة في ظل النظام الحالي، حيث تتساقط الحكومات واحدة تلو الأخرى منذ أن قام بحل الجمعية الوطنية في يونيو/حزيران 2024، الأمر الذي كرّس انقسام البلاد إلى ثلاث كتل متعارضة بشدة، لا يمكن لأي منها أن تدّعي القدرة على الحكم منفردة.
 
ووفقًا لآخر استطلاع للرأي صدر اليوم، فإن 63٪ من الشعب الفرنسي يؤيدون استقالة الرئيس ماكرون.
وبالطبع، أوروبا اليوم مشغولة وقلقة للغاية، وليس لها حديث آخر سوى الأزمة السياسية الفرنسية.
 
وتعد ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية قلقًا من هذا المشهد، مع شعور بخيبة الأمل لدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يعوّل على النظام الفرنسي من حيث الدعم العسكري والمساندة الدبلوماسية في مواجهة روسيا.
فالنظام الفرنسي بقيادة ماكرون كان من أبرز الداعمين لأوكرانيا، وأي اهتزاز سياسي في باريس ينعكس مباشرة على موازين الحرب في أوروبا.
 
وبالطبع، ما يحدث في فرنسا اليوم يشبه مسلسلًا كوميديًا سياسيًا، لكنه مصحوب بقلقٍ حقيقي لدى كل متابعيه.
وقد يستمر هذا الوضع ما لم يقدم الرئيس ماكرون استقالته، لتبقى الأزمة ممتدة حتى عام 2027، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا.
 
والغريب أن أكبر أحزاب اليسار الفرنسي ساهم في دفع رئيس الوزراء للاستقالة، بينما حزب اليمين المتشدد بزعامة مارين لوبان يتطلّع إلى رحيل ماكرون في أقرب فرصة ممكنة، بل ويعمل على تحقيق ذلك دون انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن مارين لوبان ستحقق فوزًا مؤكدًا إذا جرت الانتخابات الرئاسية هذا العام، وهو احتمال تتداوله الصحافة الفرنسية والأوروبية على نطاق واسع.
 
وفي الختام، يقول الكاتب:
"إن ما يجري في العالم اليوم — سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا — يؤكد أننا أمام مرحلة من التحولات الجذرية، تتقاطع فيها القوة الأمريكية والأزمات الأوروبية في مشهد واحد، يعكس اضطراب النظام الدولي برمّته. وسنواصل الكتابة لاحقًا حول هذه الموضوعات الشائكة."