هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض 
يثور تساؤلٌ بين الكثيرين حول مشروعية ارتداء ملابس الكهنوت من قبل غير الكهنة، هل يُعد هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون، أم أنه يظل في دائرة الحرية الشخصية؟.
 
أن القانون المصري لم يجرّم ارتداء الملابس الكهنوتية بحد ذاته، ما لم يقترن ذلك بأفعال احتيالية أو إجرامية أخرى. وهو ما يعكس اتجاهاً عاماً لحماية الحرية الشخصية. 
 
فضلاً عن أن الدياكون هو ( الشماس) في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يرتدى الروب الأسود والصليب، ويُسمح له بإطلاق اللحية ويرتدى طاقية على الرأس، حتى أصبح صعباً تمييزه عن الكاهن هذا الطقس يُعتبر تقليدًا معتادًا في الكنيسة القبطية.
بناءً على ذلك، نناقش في هذا السياق الأسس القانونية التي تحكم هذه المسألة.
 
أولاً - مبدأ الشرعية الجنائية:  
حيث تنص المادة 66 من الدستور المصري الحالي على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون".
 
ويعني ذلك أن الأصل في التجريم والعقاب أن يكون هناك نص صريح وواضح، ولا يُترك الأمر للاجتهاد أو التأويل. ومن ثم، فإن ارتداء الملابس الكهنوتية وحده لا يُشكل جريمة في غياب نص قانوني يُجرّمه صراحة، طالما لم يقترن بأفعال احتيالية أو سلوك إجرامي آخر.
 
وقد استقر قضاء محكمة النقض على هذا المبدأ، إذ أكدت في الطعن رقم 175 لسنة 40 قضائية أن: «الأصل في التجريم والعقاب هو النص الصريح، ولا جريمة بغير نص».
 
ثانياً- انتفاء الركن المادي والمعنوي للجريمة.
إذ لم يثبت أن المتهم قام بفعل مادي يُشكل انتحالاً لصفة كاهن على نحو يُلحق ضرراً بالغير أو يُحدث خداعاً لهم، كما لم تتوافر لديه نية إجرامية. وبالتالي ينتفي الركنان المادي والمعنوي للجريمة.
 
ثالثاً- حرية الاعتقاد وحرية التعبير.
ارتداء الملابس الكهنوتية يندرج تحت حرية الاعتقاد والتعبير وهي حقوق يحميها الدستور والقوانين المصرية.
 
تنص المادة 64: من الدستور المصري "حرية الاعتقاد مطلقة. لكل مواطن الحق في حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية".
 
كما تنص المادة 65 من الدستور حرية الفكر والرأي مكفولة. لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير".
 
كما أن قانون العقوبات المصري:* لا يحتوي على نصوص تجرم ارتداء الملابس الدينية أو الكهنوتية بذاتها، إلا إذا ارتبطت بنية احتيالية أو غرض إجرامي.
وقد رسخت محكمة النقض هذا المعنى في أحكامها، إذ قضت في الطعن رقم 241 لسنة 40 قضائية بأن: «حرية الاعتقاد والرأي مكفولة دستورياً، ولا يجوز المساس بها إلا إذا ترتب عليها ضرر أو خطر يهدد الأمن القومي أو النظام العام».
 
رابعاً: أسباب إضافية تؤكد انتفاء التجريم.
1- مبدأ شخصية العقوبة: لا عقاب إلا على من ارتكب فعلاً مُجرماً بنص صريح، ولا يجوز مد نطاق العقوبة إلى أفعال لم يجرمها القانون.
 
2.- غياب الضرر الاجتماعي المباشر: لا يتدخل القانون الجنائي إلا إذا وُجد ضرر فعلي يهدد المجتمع أو النظام العام، وهو ما لا ينطبق على مجرد ارتداء الملابس الكهنوتية.
 
3- التفسير الضيق للنصوص الجنائية: الأصل أن تُفسر النصوص العقابية لصالح المتهم، منعًا للتوسع في التجريم والعقاب دون نص.
 
4- الحماية الدستورية للحرية الشخصية: اختيار الملبس جزء لا يتجزأ من الحرية الشخصية، وتجريم مجرد ارتداء زي معين دون إساءة استخدامه يُعد انتهاكًا لهذه الحرية.
 
بناءً على ما تقدم، نري إن ارتداء الملابس الكهنوتية في ذاته ليس فعلاً مُجرّماً، بل يدخل في إطار الحريات الدستورية والقانونية المكفولة للمواطنين، ما لم يُستغل في أعمال احتيالية أو ممارسات ضارة.
 
ختامًا، يمكن القول إن ارتداء الملابس الكهنوتية دون صفة كهنوتية فعل مشروع، طالما لم يقترن بأفعال احتيالية أو إجرامية.
 
الدستور والقانون المصري
 
يحميان الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد، ويؤكدان على مبدأ الشرعية الجنائية الذي يوجب النص الصريح على التجريم والعقاب. بناءً على ذلك، يظل ارتداء هذه الملابس خاضعًا للحماية الدستورية ما لم يترتب عليه ضرر أو خداع للغير.