محمد يونس

خلال القرن الماضي خضنا أكثرمن ستة حروب (48 ،56،اليمن ،67،الإستنزاف و 73 ) بالإضافة إلي بعض المغامرات الصغيرة المتناثرة في نيجريا وقبرص و ليبيا .. و ذهبت قواتنا لسوريا و الكويت .. كذلك كانت ضمن قوات حفظ السلام في سيرايفو،كوت دفوار ،الكونغو ،الصومال و غيرها من البلاد..و طاردنا لعشر سنوات الإرهابيين في سيناء.

و مع ذلك لا نعرف كأبناء هذا المكان .. لماذا تحركت القوات .. وكيف أبلت ..و ماحجم الخسائر في الارواح و المعدات ..أو تكلفة هذه الحروب و تأثيرها علي الإقتصاد القومي .. فهي شأن خاص بالحكام الذين يرددون مع كل حرب  لا صوت يعلو علي صوت المعركة .. فنتكتم

كلما بعدنا في الزمن.. تاهت الأمور .. حتي أن الجيل الجديد قد لا يعرف شيئا عن أسباب صراعنا مع إسرائيل.. سنة 1948.. المختفي ذكره من المراجع أو الأعمال الفنية . إلا قليلا .

الحرب بدأت في 15 مايو 1948 و إستمرت حتي 10 مارس 1949.. 9 شهور و 3 أسابيع و يومين

سيناريو الأحداث.. كانت فلسطين حتى عام 1914 ضمن حدود الدولة العثمانية ، وبعد أن دخلت الحرب العالمية الأولى بجانب الألمان .. خسرت كافة أراضيها في البلاد العربية لصالح بريطانيا وفرنسا طبقا لمعاهدة سيفر عام 1920 ومعاهدة لوزان عام 1923.

بريطانيا وفرنسا إقتسمتا الغنيمة .. علي أساس ما جاء في اتفاق سري سابق للهزيمة العثمانية (سايكس - بيكو في 1916 ) و كانت فيه فلسطين ضمن الأراضي التابعة لبريطانيا.

و هكذا خضعت للانتداب الإنجليزى بعد الحرب العالمية الأولي حتى أعلنوا إنهاؤه في منتصف الليل بين ال14 و15 من مايو 1948.

تبدأ القصة في 29 نوفمبر 1947 أى قبل إنهاء الإنتداب البريطاني بستة شهورفقد صدر عن الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين بين سكانها من اليهود و العرب 56% لليهود.و 43% للعرب.و 1% منطقة القدس دولية تحت الانتداب بإدارة الأمم المتحدة. .. لقد كان عدد اليهود في فلسطين في ذلك الزمن حوالي 6% من يهود العالم إى 650 الف..و  يساوى تقريبا نصف السكان .

الفلسطينيون رفضوا القرار و جرى تشكّيل جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، ليتصاعد العنف بين الطرفين .. رغم مسئولية قوات الإنتداب عن حفظ الأمن .

بحلول 4 يناير 1948 قامت منظّمتا الأرجون والشتيرن باستخدام السيارات المفخخة، لتفجير مركز الحكومة في يافا مما أسفر عن مقتل 26 مدني فلسطيني.

في المقابل نسف المقاتلون الفلسطينيون في شهر مارس من نفس العام مبنى مقر الوكالة اليهودية في مدينة القدس مما أدّى إلى مقتل 11 يهوديا وجرح 86.

في إبريل من نفس السنة مجموعتا الإرغون وشتيرن إحتلوا قرية دير ياسين الفلسطينية غربي القدس...و أعطوا سكانها مهلة ساعة لمغادرتها .. ثم تلي هذا عملية إبادة وطرد جماعي و تطهير كان معظم ضحاياه من الأطفال والنساء ... يقدر حسب المصادر الفلسطينية بين 250 و 360 فرد وطبقا للمصادر الغربية. ب 109

القوات البريطانية المسئولة عن حماية المكان .. تستخدم قانون ( فرق تسد ) ليقوم بتحويل المنطقة إلي ساحة معارك .. ولاتحسم الأمور كعادتها فتصاعدت أعمال القتال  حتي زمن مغادرة قواتها للبلاد .

و هكذا عندما جرى طرد الفلسطينون من قراهم و مدنهم ..بالقوة المسلحة و إحلال اليهود المهاجرين من شتي بلاد العالم مكانهم.. إستجار الفلسطينيون بجيرانهم العرب 

يوم 12 أبريل 1948 أقرّت الجامعة العربية إرسال جيوش إلى فلسطين وأكدت اللجنة السياسية أنها لن تدخل هناك قبل انسحاب بريطانيا في 15 مايو.

الساعة الرابعة بعد ظهر 14 مايو أعلن المجلس الصهيوني في تل أبيب  قيام دولة إسرائيل ((دولة يهودية في إيرتس يسرائيل)) أى في فلسطين .و أنه .سيصبح ساري المفعول في منتصف الليل.

بعد إعلانها ببضع دقائق. أصدر الرئيس الأمريكي هاري ترومان رسالة اعتراف بها.. أما الاتحاد السوفياتي فاجل الإعترف لما بعد ثلاثة أيام...

وهكذا بدأت  المعارك ..التي إشترك فيها المملكة الأردنية و المملكة المصرية و المملكة العراقية وسوريا و المملكة العربية السعودية و لبنان مع جيش  الجهاد المقدس الفلسطيني  و بعض المتطوعين من الدول الإسلامية .

و ذلك في مواجهة ..

جيش الدفاع الإسرائيلي .. منظمات ( هاجانا، بلماخ ، إرجون ،شترين ) ..وحدة البدو و الدروز .. ومتطوعين أجانب.

قوات جامعة الدول العربية كانت من 29000 إلي 63000 جندى :

((مصر 10.000 - 20.000.. العراق 3.000 - 15.000 ثم 18.000.. سوريا 2.500- 5.000.. الأردن 8.000- 12.000 .. لبنان 1.000.. السعودية 800- 1.200.. اليمن 300 ..جيش الإنقاذ الفلسطيني : 3.500-6.000)) 

و قوات إسرائيل: وصلت إلي 107000 بعد إندلاع القتال.. أى حوالي 15% من مجموع يهود فلسطين المقيمين .. و هي نسبة مرتفعة للغاية .

بمعني أن القوات الإسرائيلية كانت من حيث العدد متفوقة بأربعة أضعاف علي كل قوات المواجهه العربية و الفلسطينية.

شكّلت المملكة المصرية أكثرية القوات العربية عددا تحت قيادة اللواء أحمد علي المواوي.. تليها المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلوب باشا. و المملكة العراقية بقيادة العميد محمد الزبيدي

المضحك المبكي أن هذه الدول الثلاث كانت لاتزال محتلة بواسطة الإنجليز ..الذين سيطروا علي جيوشها و تدريبهم و أسلحتهم و إمداداتهم ..

بل قوات الأردن كان بها 50 ضابطا إنجليزيا و يقودها إنجليزى ..و القوات المصرية وصلت إلي سيناء عبر 80 الف جندى إنجليزى يحتلون القناة .ونستطيع أن نقول أن الجامعة العربية نفسها كانت خاضعة للنفوذ البريطاني  ..في نفس الوقت الذى كان هناك تعاطفا بريطانيا يصل إلي درجة التأمر مع قادة الدولة الجديدة ( إسرائيل 

بدأت المعارك بعد أن طرد و فرار فلسطينيون من مناطق سكنهم .. و وصول الجيوش العربية هناك ومهاجمة المستعمرات (الكيبوتزات ) الإسرائيليبة

أقوى الجبهات وأهمّها كانت الجبهة الأردنية حيث عبرت ثلاثة ألوية نهر الأردن إلى فلسطين في 16 مايو 1948 ثم زادوا إلى أربعة ، بالإضافة إلى عدّة كتائب مشاة.

الجيش الأردني .. رغم قلة العدد إلا أنه كان الأفضل بين جيوش جامعة الدول العربية و كان على درجة عالية من التدريب.

(( وكان الجيش العربي الأردني ربما أفضل الجيوش المتحاربة من الناحية التكتيكية. حيث عانت باقي الجيوش من ضعف شديد في اتخاذ القرارات الحاسمة على المستوى الإستراتيجي والقيام بمناورات تكتيكية))..

معارك الجيش الأردني ثلاث هي( معركة باب الواد، معركة اللطرون ، معركة القدس) إستطاع بها الحفاظ على القدس والضفة الغربية كاملة حتي انتهاء الحرب.

وكانت خسائر الإسرائيليين في هذه المعارك ضخمة، فقد قال رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون في يونيوعام 1948 أمام الكنيست: ((لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة)) .

الجيش المصري ، هاجم تجمعي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب...و ليلة 7 يونيو 1948 نشبت معركة نيتسانيم وانتهت بهزيمة الإسرائيليون وتحرير المستعمرة ورفع العلم المصري عليها

قُتل في هذه المعركة 30 من قادة المستعمرة وأُسر 105 من الجنود وتم نقلهم إلى القاهرة

ثم خاض المصريون معركة التل 69 ونجحوا في السيطرة علي كامل الموقع بعد الانسحاب الإسرائيلي غير المنظم .

تقدمت القوات المصرية بعد ذلك في النقب متجهه إلي تل أبيب .. و لكن ..كما هي العادة .. بدأت الأمور تتداعي و تفقد القوات مواقعها بسبب ما عانته من مشاكل في الإمداد بالعتاد والتنظيم..و تعليمات متضاربة لقيادة غير مدربة

إنتهي الأمر بحصار إسرائيلي لقوات بقيادة الأميرالاي السيد طه.. في الفالوجة ( وسط صحراء النقب ) ويقال أن  جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر كانا من ضمن المحاصرين.

الجيش العراقي حرر مدينة جنين وطرد المنظمات الصهيونية منها اثر معارك شرسة. .

و الجيش العراقي ومعه قوات عربية فلسطينية كان على حافة تحرير حيفا حيث تمت محاصرتها، ولكن تقدم الجيش توقف فجأة .. بسبب رفض القيادة السياسية في بغداد إعطاءه الاوامر للزحف وتحرير المزيد من الأرض.. ( ماكو أوامر ) مما سبب ارباكا شديدا بين صفوف القوات وكان أحد الأسباب لخسارة الحرب .

استمرت المعارك على هذا النحو لمدة أقل من الشهر .. حتى تدخّل مجلس الأمن وفرض وقفا لإطلاق النار في 10 يونيو 1948 .. تضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية.

عقب هذا القرار الدولي .. وقف القتال - للمرة الأولي - بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية .. و إن كان جيش الإنقاذ قد واصل عملياته العسكرية في منطقة الجليل.

الهدنة كانت لمدة 4 أسابيع. وبالرغم من حظر التسليح أو إرسال أي عدد جديد من القوات لجبهات القتال فإن إسرائيل ( كعادتها ) لم تلتزم بهذا الشرط وأخذت تسارع في تعويض خسائرها وانهالت عليها الأسلحة بصورة ضخمة خصوصا الطائرات

كذلك تطوّع الكثير من يهود أوروبا للذهاب إلي المعارك .. وفي 8 يوليو 1948 استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات

((عندما استؤنفت المعارك من جديد كان للجيش الإسرائيلي اليد العليا واتخذت المعارك مسارا مختلفا بحيث تعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم .. واستطاعت إسرائيل فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية.))

انتهى القتال في 7 يناير 1949 ..بموقف أفضل لإسرائيل بعد استيلاء جيشها على معظم منطقة النقب وتراجع وحصار القوات المصرية التي كانت مرابطة حول الفالوجة.

بعد توقف القتال بدأت مفاوضات في جزيرة رودس بوساطة الأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جانب آخر.. بدون العراق ..و جرى التوقيع على اتفاقيات الهدنة النهائية و تحديد الخط الأخضر.

في 7 مارس 1949 أوصّى مجلس الأمن بقبول إسرائيل عضوا كاملا في الأمم المتحدة وفي 11 مايو 1949 أقرت الجمعية العامة هذه التوصية.

و هكذا

حارب الجيش المصرى في الجزء الجنوبي من فلسطين 1948.. و بعد أن حاز إنتصارات أولية .. تسببت القيادة غير المحترفة و نقص الإمدادات في هزيمته و إستيلاء إسرائيل علي أراض النقب .. و حصار قوات في الفالوجة ..و لم ينقذها..إلا إتفاق هدنة ..

و إنتهي الأمر..بنكبة .. تحولت بعدها العصابات الصهيونية لدولة معترف بها في الأمم المتحدة .. تقف متربصة علي الحدود المصرية تتلمظ للإستيلاء علي سيناء بعد ذلك مرتين.

 

هل تعلمت القيادة  من سير المعارك و تعرفت علي القوات  المعادية ..و طرق مناوراتها..  للأسف .. الإجابة  تجلت في الحروب التالية .. التي بدات بفرد الصدر ..و الصراخ الحماسي ..و إنتهت بإنكسارات  تحولها أجهزة البث و الدعاية إلي إدعاء بإنتصارات  سياسية ..نصفق لها .. هو حد فاهم حاجة .