بقلم الأب يسطس الأورشليمى
به نُبارك الله الآب، وبه نلعن الناس الذين قد تكُونُوا علي شبه الله، من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة..
والفم الذي يُبارك لا يلعن، فكيف تتفق هذه الآية مع الأخرى؟ كيف لعن الله قايين وقال: ملعُون أنت؟! وكيف بارك الله الإنسان وقال: أثمرُوا وأكثرُوا، واملأوا الأرض وأخضعُوها، وتسلطوا علي سمك البحر؟! ما هي البركة، وما هي اللعنة؟! وكيف أتت البركة واللعنة؟ كيف نهرب من اللعنة، وكيف نعيش البركة؟!
أول بركة حينما بارك الله التنانين العظام (تك22:1؛ 14:3)، وأول لعنة كانت للحّية، بقُوله: ملعُونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحُوش البرية علي بطنك تسعين وتراباً تأكلين كُل أيام حياتك..
من هُنا يظهر لنا أن الله يُريد أن يُعطي البركة للجميع، ولكن اقتناء اللعنة ليس من الله، فاللعنة من البعد عنه، والله لا يلعن، ولكن البعد عنه هُو اللعنة بذاتها، فإذا أتت اللعنة فهي تأتي من ذُواتنا، أما البركة إذا أتت تأتي من ارتباطنا بالله، وهُنا نبتديء أن نحدد البركة واللعنة..
فالبركة هي ثمر وكثرة، أما اللعنة فهي: علي بطنكِ تسعين وتراب تأكلين، أي في سيرك، وسعيك علي بطنك من أجل الأرض والماديات فقط، هل كُل ارتباطاتك في الأرض هي: ارتباطات أرضية مادية؟!
وهذا يحدد لك أنت في أي مُوقع بين الاثنين، هل في مُوقع البركة، أم في مُوقع اللعنة ؟! هل تسعى إلى الثمر والإكثار؟ أم إنك تسعى علي بطنك لكي تمتلك التراب والأرض والأرضيات والماديات؟!
نحنُ في حياتنا نسعى إلى الجسد حيثُ بُطوننا وذُواتنا، والإنسان طُول النهار يشتغل ويعمل ويسعى، وبالليل يفكر في العمل والمادة، والرّب لا يُريدنا أن نسعى لطريق اللعنة، بل لطريق البركة..
فكر وتأمل جيداً ما الذي ستأخذه من دنياك وقت الرحيل؟
الكفن ليس له جيُوب، حتماً ستترك كُل شيء، لذلك المفرُوض أن نسعى إلى البركة، ولكن طالما نسعى إلى بطُوننا نقترب حينئذٍ من اللعنة، الذين نهايتهُم الهلاك الذين إلههم بطنهُم ومجدهُم في خزيهُم، الذين يفتكرُون في الأرضيات، فإن سيرتنا (جنسياتنا) هي في السماوات، التي فيها أيضاً ننتظر مُخلّصاً هُو الرّب يسُوع المسيح (فى19:3-21)..
مسكين هذا الإنسان الذي يبحث عن الميراث الأرضي، ويترك الميراث السماوي، ويسعى للأرض والمادة، ويترك السماء والحياة الأبدية، المطلوب ألا نتشبه بالحّية فنسعى إلى التراب، بل ننفصل عنه..
فما هُو الصيام، إلا انفصال عن الأرض، والاتصال بالسماء؟!
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكُل كلمة تخرج من فم الله، وعندما ننفصل عن الأرض الأرضيات، لا نسعى إلى بطُوننا حيثُ اللعنة..
هل نحنُ نسعى ونتطلع إلى الحياة الأبدية، هل نحنُ مثمرين في حياتنا؟
الله بارك التنانين العظام، وبارك آدم أيضاً، ولكن هُناك فرق بين هذه البركة وتلك، فما هُو الفرق بينهما يا تُرى ؟!
باركها الله قائلاً: أثمري وأكثري واملئي المياه في البحار (تك22:1، 28)، باركهُم الله وقال لهُم: أثمرُوا وأكثرُوا واملأوا الأرض..
الإثمار بالنسبة للتنانين العظام هُو إثمار تلقائي، بينما الأثمار بالنسبة للإنسان هُو أثمار من خلال الإنسان، حتى أن الله قال لهُم: تستطيعُوا أنتُم أن تثمرُوا، فبدُونك يا إنسان لا يعمل الله فيك، وكما قال أغسطينُوس:
أن الله الذي خلقك بدُونك، لا يستطيع أن يُخلّصك بدُون إرادتك..
فالله يُريد منك الإرادة الحرة ليعمل فيك وبك ومعك، أنتُم الذين تثمرُوا فالرّب يحملنا المسئُولية، بعد أن أعطانا الحرية الكاملة، فكُونُوا أنتُم كاملين كما أن أباكُم الذي في السماوات هُو كامل، فليُضيء نُوركم هكذا قُدام الناس لكي يرُوا أعمالكم الصالحة ويمجدُوا أباكُم الذي في السماوات..
كُونُوا قديسين كما أنا قدُوس (مت16:5؛ بط16:1)..
هُناك عمل من الإنسان، لأن الرّب أعطاك عقل، وحرية، وإرادة، لذلك وضع عليك المسئُولية، قائلاً لهُم: أثمرُوا .. الإنسان نفسه هُو الذي يثمر، قال الرّب: أرفعُوا الحجر، أي ترفع حجر الخطية التي تفصل بينك وبين الله، وهُو الذي يُقيم الميت، أنت ترفع الحجر حتى تشعر بثقل الخطية وعفُونتها، فتنبذها ولا تعُود إليها، وتقُوم بقُوة المسيح فيُضئ لك..
راجع الكتاب (يو39:11؛ أف14:5؛ في13:4)..
ونلاحظ هُنا: أن البركة بالنسبة للحيُوانات تختلف تماماً عن البركة بالنسبة للإنسان، فالمخلُوقات الرّب يُباركها، وليس في احتياج إليها، لكن الإنسان رّبنا يباركه، وهُو بذاته يفعل البركة ويسعى للعمل معه..
الإيمان بدُون أعمال ميت، والأعمال بدُون إيمان أيضاً ميت (يع17:2)، فما هُو ثمار الإنسان؟ هل بكثرة الأولاد؟ أم بإنشاء المباني، والادخار في البنُوك؟ هل هذا هُو ثمر الإنسان، والهدف من خلقته؟!!
قال الكتاب: فلا تفرح بكثرة البنين؟ ولا تسر بعددهم؟ لأن ولد واحد يتقي الرّب خير من ألف منافقين (سيراخ3:16؛ مت25:6)، والرّب قال:
لا تهتمُوا لحياتكُم بما تأكلُون وتشربُون، ولا لأجسادكُم بما تلبسُون، إليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟!
الثمر بالنسبة للنخلة هُو: التمر، وشجرة التفاح تثمر تفاحاً، أما الثمر بالنسبة للإنسان فهُو أن يكُون صُورة الله علي الأرض، قال الله: نعمل الإنسان علي صُورتنا كشبهنا (تك26:1)، أي تكُون صُورة الله علي الأرض، مرآة ينظر الناس من خلالك، فيمجدُوا الله الذي فيك..
أستمع إلى كلامك، أستمع إلى صُوت الله، أتعامل معك أشعر أني قريب من الله، هذه هي البركة بالنسبة للإنسان المُلتصق المُتحد بالرّب، الذي يقُول دائماً: أستطيع كُل شيء في المسيح الذي يقُويني، مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ (غل20:2؛ 17:5)..