من كتاب "القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح"
الأب القس كيرلس كيرلس
قراءة: كمال زاخر
الخميس 2 اكتوبر 2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ننقل في سطورنا هنا ما جمعه الأب القس كيرلس كيرلس في كتابه (القداسات الثلاثة متقابلة مع الضبط والشرح) والصادر عام 1979م، وتأتي أهمية هذا في أنه يستند إلى آباء الكنيسة الأعمدة الثقات، بعيداً عن جدل اطروحات العقود الأخيرة، والذى جاء متأثراً بما تقول به الأدبيات اليهودية والإسلامية، والتراث الشعبي السائد.
وقد ركز الكاتب على آراء آباء القرون الأولي وعلى ما قالت به الدسقولية، تعاليم الرسل، وهو كتاب يعد من أهم كتابات فجر المسيحية، ويقدم لنا خبرات تفاعل العقيدة بالواقع وكيف قدمت كنيسة الرسل رؤيتها في اشكاليات الكنيسة وقتها،
وعلى ذكر كتاب الدسقولية ننوه بتوافر نسخة عربية مدققة له، إعداد وتعليق الاستاذ الدكتور وليم سليمان قلادة، المستشار ونائب رئيس مجلس الدولة. وقد حظي الكتاب في نسخته هذه، بحسب ما وثقته مقدمته، بتقدير خاص من قداسة البابا شنودة الثالث والذى قدم عنه في مجلة الكرازة عرضاً شاملاً، قال فيه (أن الكتاب ثمرة بحث مدى عشرين سنة "من 1958 ـ 1978" عكف فيه المؤلف على تعاليم الرسل؛ وما تشملها من شرح الرعاية وطبيعة الكنيسة وشئون عبادتها، وما يتعلق بهذا من مفاهيم مسيحية أخذت أصالتها منذ القرون ... كتاب الدسقولية ـ كتابان: عرض للدسقولية وبحث لاهوتي كتابي).
دعونا نفرأ معاً الرؤية الكنسية "الأرثوذكسية" لطهارة الجسد والتناول:
• (كليمندس السكندري) (150 ـ 215م.):"وقيل لنا أنه يتحتم علينا أن لا نتقدم إلى الذبيحة أو الصلوات إلا ونحن مغتسلون وفي نضارة وبهاء، حيث أن الكنيسة هي جماعة الذين يسجدون في الصلوات ويعطون أصواتهم بانسجام كما من فم واحد"
• ويقول البابا أثناسيوس الرسولي: (293 ـ 373م.) "ولكن علينا أن نستعد لكي نقترب من الحَمَل السمائي وأن نؤهل للمس الطعام السمائي (كان التناول يُعطى في يد المتناولين ، ولكن أُبطلت هذه العادة، بسبب سوء استخدامها).
• يقول القديس ديونيسيوس الكبير بابا الأسكندرية (246 ـ 265م.) بخصوص الذين يحدث لهم فيض (إستحلام) ليلي بدون ارادتهم؛ عليهم أن يتبعوا شهادة الضمير فالذي يتشكك كما في أمر أكل اللحم (1كو8) يُدان إذا أكل، لذلك مثل هذه الأمور كل واحد يريد أن يقترب من الله يَلزم أن يكون بضمير طاهر وثقة حسنة على قدر ما يحكم هو نفسه" 0قانون رقم 4.
• ويجيب القديس أثناسيوس على هذا السؤال " وإني اتعجب أيضاً من خبث الشيطان، لأنه رغم أنه هو الفساد بذاته والسوء بعينه فهو يوعز بأفكاره تحت مظهر الطهارة، وتكون النتيجة فخاً لا امتحاناً، فإنه ـ كما سبق أن قلت ـ يكسلهم عن تأملهم المفيد الذي اعتادوه، ولكي يظهر أنه ينتصر عليهم، فإنه يثير بعض أفكار طنانة مثل تلك التي لا فائدة في الحياة لها، بل هي أمور باطلة وسخافات يجب على الإنسان أن يطرحها جانباً ... فأخبرني أيها المحبوب (آمون) والكثير التقوى جداً ما هي الخطية أو النجاسة في إفراز طبيعي، كما لو كان فكر الإنسان مهتماً بأن يجعل من إفرازات الأنف أو بصاق الفم ـ وهي ضرورة طبيعية ـ أمراً يستحق اللوم؟. فإن كنا نؤمن، كما تقول تقول الكتب الإلهية، أن الأنسان هو من عمل يدي الله، فكيف يمكن أن يَنتُج عمل دنِس من قوة نقية؟، وإذا كنا ذُرية الله حسب ما جاء في أعمال الرسل الإلهية فليس في أنفسا شئ نجس، ولكننا حينما نرتكب الخطية، وهي أكثر الأشياء قذارة، فعندئذ فقط يُجلب الدنس.
ولكن عندما يحدث أي إفراز جسدي بدون تدخل الإرادة، فإننا نعرف بالخبرة أن هذا يحدث كما في أشياء أُخرى بضرورة الطبيعة".
• ويجيب القديس تيموثاوس بابا الأسكندرية الـ 22 (382 ـ 388م.) وأحد آباء مجمع القسطنطينية على هذا السؤال: هل يحق التناول بعد نجاسة الإفرازات فيقول "إذا كان ذلك نتيجة شهوة إمرأة فلا يجوز له، أما إذا كان نتيجة تجارب الشيطان فيسمح له بالتناول، لأن الرب سيسنده كلما انتوى التناول"
• أما الدسقولية (تعاليم الرسل) فتقدم لنا التعليم الصحيح والموافق لروح الإنجيل فتقول: "لأنه طبقاً لشريعة العهد القديم ـ إذا لمس إنسان ميتاً أو قبراً يجب أن يغتسل،(سفر العدد 19 : 16)، لكن انتم طبقاً للإنجيل أو بحسب قوة الروح القدس، إجتمعوا حتى في المدافن ... لأنه بهذه الأعمال هكذا لا يكون المؤمنون مع المخالفين، وهي لا تقدر أن تنجس طبيعة الرجل ـ أعني الزواج كالناموس أو الدم القاطر أو فيض الحلم، ولا تقدر أن تفِّرق منا الروح القدس ... فلا يقدر كفن ميت على أن ينجس نفساً، لا عظم ميت ولا قبر ولا شيء من الأكل ولا احتلام. لكن تتنجس النفس من جهة النفاق وحده، ومخالفة الناموس وظلم صاحبك أو الجور أو الفسق أو الزنا ـ لأجل هذا يا أحبائي ابعدوا من الاحتراسات التي قلناها وأهربوا منها لأنها من أعمال الوثنيين، فالتثنية وضعت بسبب عمل العِجل وعبادة الأوثان، لكن انتم بالمعمودية قد خَلُصتُم ، وقد حُرِّرتُم من التثنية التي أُقيمت بسبب الأوثان، لأنه في الإنجيل جدَّد (ربنا) وكمَّل وثبَّت الناموس (متى 5 : 17)، ونقض التثنية وجعلها باطلة. فإنه لهذا جاء ليثبِّت الناموس ويبطل التثنية، وليكمل سلطان الحرية الإنسانية وليُظهِر قيامة الموتى ...
ولكن إذا كنت بحسب التثنية تغتسل بعد فيض أو بعد علاقات زوجية، فيجب عليك أيضاً أن تغتسل إذا سرت فوق فأر (لاويين 11 : 29)، ولن تكون قط طاهراً ـ لأن حذاء قدميك مصنوع من جلد أموات ـ جلد حيوانات مذبوحة، ملابسك أيضاً مصنوعة بصوف حيوانات مذبوحة، وإذا دُست بقدميك عظم ميت، وإذا سرت فوق قبر فلابد أن تتطهر (لاويين 19 : 11)، ولن تصل قط لأن تكون طاهراً.
فعوض الاغتسال كل يوم اعطانا معمودية واحدة، هذه التي نلناها بموته.
انك تنقض معمودية الله وتجدد خطاياك، وتوجد من جديد في خطاياك الأولى، وتجذب أيضاً اللعنة عليك لأنك عندما تحفظ التثنية فإنك تشارك في اللعنة التي توجهها لمخلصنا.
ثم توجه الدسقولية نفس الكلام للمرأة قائلة: فإن كنت أيتها المرأة المقيمة في الدم سبعة أيام تفتكرين أنك صرت مقفرة من الروح القدس لهذا السبب، فإنك إذا متِ فجأة تذهبين وقد صرت غريبة من الروح القدس، وتعوزك الدالة والرجاء الكائن عند الله، ولكن الروح ساكن فيك بغير افتراق، فيجب عليك أن تصلي كل حين، وتنالي من الشكر (الأفخارستيا) ، وتغتنمي حلول الروح القدس عليك.
ثم توجه الدسقولية الكلام للمرأة النفساء (إذا ولدت) "ولا أيضاً الطهر الطبيعي بمرذول قدام الله الذي دبره، لأن يكون للمرأة في خلال ثلاثين يوماً لأجل منفعة وعافية. لأنهن حينئذ يكن بالأكثر غير متحركات وجالسات في البيت كل حين،
تريد الدسقولية أن تقول إن المرأة في هذه الأوقات تكون غير مهيأة نفسياً وجسدياً، لهذا تكون جالسة في البيت، ليس بسبب نجاسة أو عدم طُهر (انظر الدسقولية ـ تعاليم الرسل ـ فصل 33 و 34ـ طبعة أولى 1979ـ إعداد وتعليق وتقديم د. وليم سليمان قلادة).





