محمد يونس
مع تطور أدوات البحث و المعرفة خلال القرنين التاسع عشر و العشرين .. لم يعد التاريخ حواديت مشكوك فيها يتناقلها الناس جيل بعد جيل .. و أصبح علما له قواعدة و قوانينه و براهينه .
ربط القص الديني بالجغرافية في منطقتنا ( العراق و الشام و مصر ) .. عملية مركبة و تزداد غموضا عندما يحاول بعض العلماء التوفيق ..بين ما يحكي عنه الكهنة علي أساس أنه وقائع.. حدثت مذكورة في كتبهم ..و ما تسفر عنه الأبحاث الأثرية و فحص المكان .. للعثور علي أدلة .
الصراع علي أرض فلسطين طبقا للرواية التوراتية (غير الموثقة تاريخيا ).. قديم .. قدم قيادة يوشع بن نون لليهود بعد 40 سنة توهه في سيناء لتدمير أريحا حول القرن 12 ق. م
اما التاريخ كما كتب ول ديورانت في قصة الحضارة فيشير إلى أن أصل الشعب الفلسطيني ( بالست ) يعود لما يسموه العلماء (شعوب البحر)، غير معروف تماما من أين جاءت .. و لكنها إعتادت الهجرة إلي شواطيء شرق البحر المتوسط.. هربا من عدو غير معروف في بلادها .
تمت هذه الهجرات على مراحل ولم تجرى في فترة تاريخية واحدة تبعها أن (البالست ) أو (الفلستيون ) استقروا في الجزء الجنوبي من الساحل ..وأقيمت هنالك خمس ممالك وهي غزة وعسقلان واشدود وجت وعقرون والتي قد يكون بدايه تكوينها مع الحضارة الكنعانية في العصر البرونزي (3200 ق.م – 2000 ق.م).. إلا أن البالست وسعوها وطوروها ونظموها .. و أسسوا أول مدينة في تاريخ الإنسانية وهي مدينة أريحا .
بكلمات أخرى بعض الدراسات تشير إلى أن أسلاف الفلسطينيين القدماء جاءوا من أصول أوروبية وأنهم وفدوا عبر البحر المتوسط في زمن العصرين البرونزي والحديدي ( قبل يوشع بن نون بالاف السنين ) . وأنهم من الناحية الجينية قد يماثلون أهل كريت القدماء ... و أنهم إختلطوا بالكنعانيين والعمورين والأراميين سكان المنطقة .. ليكونوا شعبا زراعيا ذو حضارة .
علي جانب أخر.. عاش اليهود في قبائل بدوية الطابع تتكون من اثنتي عشـرة قبيلة تسعي بصورة منفصلة في المنطقة بين مصر و بابل و أرض كنعان ترعي الإبل وتستقر حيث الماء و الكلأ .
قصص اليهود و صراعهم مع الفلسطينين المذكورة في التوراة أشهرها ( شمشون اليهودى .. و دليلة الفلسطينية ) القرن الحادي عشر قبل الميلاد. . و هدم المعبد عليه و علي أعداءة
ثم معركة قاد فيها يوشع بن نون اليهود واقتحموا أريحا وقاموا بتدميرها وإحراقها .. (الباحثة البريطانية كاثرين كينون ذكرت أنه لا يوجد أثر لحرق حدث في أريحا في هذه الفترة)..
كذلك هم يتكلمون عن إتحاد بين القبائل في زمن ( القضاة ) الذى إستمر لقرن ونصف تقريبا، تولي حكم البلاد خلاله اثنا عشر قاضيا،
ثم تلاهم طالوت ومن بعده جاء عهد الملوك وكان منهم الملك داود (1004-962 ق.م) وبعد وفاته حكم الملك سليمان (962- 923 ق.م) الذي بني في عهده الهيكل، وبعد وفاته قسمت المملكة إلى قسمين: مملكة يهوذا وعاصمتها (أورشاليم) ومملكة إسرائيل وعاصمتها (السامرة)
ما حدث لمملكتي اليهود بعد ذلك و الغزو البابلي وهدم الهيكل مرتين ((نبوخذ نصر الثانى بعد حصار القدس سنة 587 قبل الميلاد، ثم جرى بناء الهيكل ثانيا علي نفس الموقع فى 516 ق. م ودمر من قبل الرومان فى 70 م.)) ..
و سبيهم في ( بابل ) ((قام نبوخذ نصر باجلاء اليهود من فلسطين مرتين؛ مرة في عام597 ق. م.،والمرة الثانية في عام 586 ق. م )) ثم إحتلال البلاد بواسطة قوات الفرس و الاسكندر الأكبر و الرومان والعرب و المماليك والأتراك حتي زمن الصراع العربي الصليبي الذى لم يشترك فيه اليهود .
لا يهمنا من هذا التاريخ الممتد إلا عندما فرضت بريطانيا الإنتداب علي فلسطين سنة 1922بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، في الحرب العالمية الأولى.
ففي الفترة بين عشرينيات وأربعينيات، القرن الماضي تنامى عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، بتشجيع أو غض طرف البريطانيين ..وكان العديد منهم ممن فروا من الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له في أوروبا، باحثين عن وطن.
.
أدى هذا بطبيعة الحال إلي تنامى العنف المتبادل بين اليهود الوافدين و المواطنين الاصليين .
خلال و بعد الحرب العالمية الثانية تزايدت الأعداد المهاجرة هربا من ما عرف بالمحرقة (الهولوكوست) فتصاعدت التوترات بين اليهود و سكان المكان إلي مستوى الحرب .
الفلسطينيون كانوا يرونهم دخلاء علي أرضهم، التي عاش فيها أجدادهم بعد الهجرات العربية و الإحتلال التركي .. .و اليهود كانوا يسعون لإنشاء وطن قومي يضمهم.. بدعوى أن ملكوهم بعد طالوت .. داود و سليمان كما ذكر في كتبهم المقدسة.. بنو الهيكل وحكموا المكان منذ الف سنة قبل الميلاد .
في عام 1947، صوتت الأمم المتحدة على قرار لتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية والثانية فلسطينية ، على أن تصبح القدس مدينة دولية... وقد وافق اليهود على هذه الخطة التي رفضها الجانب الفلسطيني ..
في عام 1948 ، غادر البريطانيون المنطقة دون أن يتمكنوا من حل المشكلة. فأعلن اليهود تأسيس دولة إسرائيل.... واعترض الفلسطينيون على ذلك، واندلعت حرب أهلية شاركت فيها قوات من الدول العربية المجاورة .
خلال الحرب نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج بلادهم أو أجبروا على ترك منازلهم علي أساس أنهم سيعودون فوق سطح الدبابات العربية ( حرب 48 تستحق مقال منفصل ) لكن ما حدث أنه بعد انتهاء القتال في العام التالي، بهدنة كانت إسرائيل قد إحتلت معظم أراض المنطقة... والأردن ضمت المساحة التي باتت تعرف باسم (الضفة الغربية) لحدودها ..كما سيطرت مصر على قطاع غزة.. بحاكم عسكرى .
وتقاسمت القدس القوات الإسرائيلية في جانبها الغربي والقوات الأردنية في الجانب الشرقي.
عام 56 .. مع العدوان الثلاثي علي مصر الذى إشتركت فيه إسرائيل .. زاد نزوح يهود الاقطار العربية ( العراق ،مصر ، المغرب ) لإسرائيل ... وضم أغلبهم في الكيبوتزات ( المستوطنات العسكرية ) .
عام 1967 حدث تغير جذرى لقد احتلت إسرائيل كامل الأرض الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية والضفة الغربية فضلا عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية .
الفلسطينيون ،الذين نزحوا إلي دول الجوار أمثال الأردن وسوريا ولبنان... لم تسمح إسرائيل لهم أو لأحفادهم بالعودة إلى بيوتهم، علي أساس إن مثل هذه العودة ستؤدي إلى أن يكتسحوا البلاد وتهدد وجودها كدولة يهودية.
و أصبحوا يعيشون تحت إدارة القوات الإستعمارية في غزة والضفة الغربية
ثم أعلنت إسرائيل أن القدس بكاملها هي عاصمتها، بينما أصر الفلسطينيون علي إن القدس الشرقية هي عاصمة دولتهم المستقبلية.
خلال الخمسين سنة الماضية بنت إسرائيل أسوار وكيبوتزات (مستوطنات ) حول الأراضي المحتلة ، حيث يعيش أكثر من 600 ألف يهودي.ويقول عنها الفلسطينيون إنها غير قانونية (بموجب القانون الدولي) و لابد من إزالتها.
و هكذا .. الصراع و تبادل القتل و الإغتيال بين الفلسطينيين و الإسرائيليين لم يتوقف من القرن 12 قبل الميلاد و كان دائما في صالح المهاجمين اليهود ..
ولكن في 7أكتوبر 2023 تغير الموقف فقد تصاعدت الإشتباكات الي مستوى لم تصل إليه من قبل خلال الثلاثة الاف سنة الماضية ..
و قاسي الإسرائيليون من خسائر فادحة .. لقد تعلمت المقاومة كيف تستخدم أساليب حروب التحرير فقادت حرب شعبية ضد المحتلين حول غزة لازالت دائرة.. رغم الدمار و العنف و القسوة التي إستخدمت فيها أحدث الأسلحة الأمريكية .
الموضوع مستمر و يتصاعد لانه يتصل بقضية هوية لم تحدد .. من الذى من حقه التواجدفي هذه الأرض .. الذين إستقر أجدادهم منذ العصر البرونزى .. أم من جاءوا مع يوشع بن نون .
من عاشوا لالف سنة حياة مستقرة في ظل الحكم الإسلامي و التركي .. أم من هاجروا إلي البلاد مع مدخل القرن الماضي
اليهود الأن هم الطرف الاقوى الذى يمتلك قوات نظامية .. و دعم أمريكي عالمي ..و مشاريع ترامباوية تنهي علي التواجد الفلسطيني المستقل ..
ليصبح السؤال ا هل الفلسطينيون هم السبب في تدهور الأمور لهذا الحد بتركهم كرة الثلج لتكبر حتي أصبحت مثل الجبال ..أم إعتمادهم علي خرافة القومية العربية ..و دعم الجيران هو السبب ..
هل تفوق الإسرائيليون العلمي و التكنولوجي .. و إقترابهم من إسلوب الحياة الأوروبي .. هو العامل المرجح .. أم تمسك المتصارعين معهم بقيم ..و أفكار المسلمين الأوائل دون تطوير يتناسب مع العصر ..قد صنع هذا الفارق
ليس لدى حديث أعرضه.. و لست طرفا في الصراع ..أو وصيا علي المتصارعين و لست ملتزما امام أى من الطرفين .. إنها مشكلة إنسانية لجماعتين متنازعتين علي إمتلاك الأرض .. مثل عشرات المشاكل المشابهه علي ظهر الكون.. و كل منهما .. لا يخطط لان يتعايش سلميا مع الطرف الاخر فيستمر القتال .
و لكنني أرى خارج الدعاوى الدينية .. من خلال التجربة أن قيام دولة يهودية متحالفة مع قوى الإستعمار ومعادية لنا بهذه القوة علي حدودنا .. يعني خطورة إستمرار فقد الإرادة .. و تعطيل القدرة علي النمو . .و إهدار للإمكانيات
الخطر .ليس علي الفلسطينين فقط بل يطول شعوب المنطقة .. القريبة و التي تمثل الطوق أو البعيدة .. قي شبه الجزيرة العربية و إيران و تركيا .. و شمال إفريقيا و السودان والصومال و الحبشة ... و لكنكم للاسف لا تهتمون .