بقلم: شريف منصور
في السابع من أكتوبر، عندما نفذت حركة حماس هجومها الدموي على إسرائيل، لم يكن ذلك اليوم الأسود علامة على قوة الحركة بقدر ما كان شهادة دامغة على فشل القيادة الإسرائيلية. كان وجه بنيامين نتنياهو هو أول من لَطخته تلك الكارثة، لأنها وقعت تحت إدارته، وفي ظل سياساته التي جعلت إسرائيل أكثر هشاشة وأقل أمنًا.
 
لكن الأسوأ من الفشل الأمني كان في ما تلاه: ردود أفعال عسكرية بلا حدود ولا عقل، واستمرار في سياسة الانتقام الأعمى التي لا تفرّق بين مسلح ومدني، بين مقاتل وطفل. لقد تحوّل ما كان من المفترض أن يكون “دفاعًا عن النفس” إلى فعل لا يقل وحشية عن الجريمة التي بدأتها حماس.
 
إن استمرارك يا نتنياهو في هذا النهج يثبت أن طريقة تفكيرك لا تختلف كثيرًا عن طريقة تفكير من تقاتلهم. أنتم وجهان لعملة واحدة: حماس تمارس الإرهاب باسم “المقاومة”، وأنت تمارسه باسم “الأمن القومي”. بل إن إسرائيل نفسها، التي كثيرًا ما نطقت بالعربية لتردد أن “المسلمين أبناء عمومتنا”، أثبتت بسياساتها أنك لست فقط ابن عمومة للإرهاب الحمساوي، بل شقيقه غير الشرعي، تشاركه نفس الحماقة ونفس المنطق الذي لا يؤدي إلا إلى الدم والدمار.
 
غير أن المسؤولية لا تقع عليك وحدك. إن قادة الدول العربية والإسلامية الذين اكتفوا بالبيانات الغامضة أو جلسوا في مقاعد المتفرجين، يتحملون بدورهم نصيبًا لا يُستهان به من الجريمة. بالصمت والتقاعس، ساهموا في تحويل غزة إلى مقبرة مفتوحة للأطفال والنساء، وأبقوا القضية الفلسطينية أسيرة الانقسام والتشرذم.
 
لقد آن الأوان لطرح السؤال الذي يتجنبه الجميع:
لماذا لا يتم نقل سكان غزة ودمجهم مع إخوتهم في الضفة الغربية، ومنحهم مساحة أوسع وأرضًا أكبر، ليكون هناك وطن فلسطيني موحد وقابل للحياة؟
 
هذا الحل ليس حلمًا طوباويًا، بل هو الطريق الواقعي الوحيد للخروج من الدوامة الجهنمية. إن توحيد الأرض والشعب الفلسطينيين هو الأساس الذي يمكن البناء عليه، وغزة – إن أُعيد إعمارها بدعم دولي وعربي – قد تتحول إلى رافعة اقتصادية للدولة الفلسطينية الوليدة، بدلًا من أن تبقى ساحة حرب دائمة.
 
لكن ما يجب أن تفهمه يا نتنياهو، وما يجب أن يعقله القادة العرب والإسلاميون أيضًا، هو أن الثقة المفرطة بالنفس حين تختلط بالكبرياء والرعونة لن يدفع ثمنها إلا الشعبان: الإسرائيلي والفلسطيني. كفى عنادًا وكفى رهانًا أعمى على القوة العسكرية. فكل سلاح له مدى، وكل حرب لها نهاية، وكل أمة لها قدرة على الاحتمال تنفد في النهاية.
 
لقد أُهدرت فرص كثيرة لصنع السلام، وأُضيعت لحظات ثمينة كان يمكن أن تغيّر التاريخ. وما لم تتغير العقول التي تصنع القرار في تل أبيب وغزة وعواصم المنطقة، فإن دماء الأبرياء ستظل تسيل بلا توقف، وسيلعنهم التاريخ جميعًا – لأنهم كانوا قادرين على بناء السلام، واختاروا الاستمرار في صناعة المأساة.