ماجد سوس
لقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد السكوت ممكناً. نحن أمام ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع من جذوره: انتحال صفة رجال الدين من الكهنة والرهبان باستخدام زيّهم الكنسي المقدّس كوسيلة للاحتيال والخداع. هذا الزي الذي كان عبر العصور رمزاً للقداسة والاحترام، صار اليوم مطمعاً في يد بعض النفوس المريضة، يستغلونه للإيقاع بالبسطاء ونهب أموالهم باسم التبرعات، أو للتسلل إلى قلوب النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت ستار "خادم الكنيسة" أو "الأب الروحي". أو لمهاجمة الكنيسة. الأمر ساء بعد التطور الهائل في الميديا ووسائل الاتصال الاجتماعي.

كم من جرائم ارتُكبت تحت عباءة هذا الزي! شهدنا أشخاصاً متنكرين في صورة رجل دين يجمع التبرعات لبناء كنيسة أو مساعدة محتاجين، بينما الأموال تُحوَّل في النهاية إلى جيوب النصابين. وسمعنا عن آخرين تقمّصوا شخصية راهب على "فيسبوك" و"واتساب" ليصطادوا النساء بحيل واهية، حتى سقط بعض الضحايا في شباكهم، تاركين جروحاً نفسية واجتماعية عميقة. 

وهناك من استغلوا الزيّ لاقتحام بيوت البسطاء، مدّعين أنهم مرسلون من الأسقفية أو من دير عريق، ليحصلوا على مال أو هدايا. هذه ليست حوادث فردية عابرة، بل سلسلة متصاعدة من الجرائم التي تهز الثقة وتهدد الأمن الاجتماعي.

كما أن الأمر الخطير يكمن في ردود الأفعال السيئة التي تأتي من بعض من تجردهم الجهة الدينية من مراكزهم الدينية ثم لا تملك أن تخلعهم الزي بالقانون فيسعون في الأرض فسادا، خادعين الناس ومضليهم وهو أمر تبعياته خطيرة على المجتمع. لذا ألم يحن الأوان أن تتحرك الدولة بيد من حديد لحماية شعبها من هؤلاء. 

يطفو على السطح التساؤل الملّح لماذا تسمح الدولة أن يستباح هذا الزيّ المقدس وكأنه ثوب عادي لأي دجّال أن يرتديه؟ لماذا لا نضع له حصانة قانونية مثل الزيّ الرسمي كالملابس الأميرية للجيش والشرطة التي لا يجرؤ أحد على انتحالها دون مساءلة جنائية؟!

المسؤولية هنا تقع على عاتق الحكومة والبرلمان. فعلى الحكومة أن تقدم هذا القانون فورا إلى مجلس النواب الذي عليه أن يضع تشريعاً عاجلاً يُجرّم ارتداء ملابس رجال الدين دون ترخيص أو إثبات هوية كنسية معتمد، ويجعلها جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة المشددة. فكما لا نقبل أن يرتدي أحد زيّ ضابط ليمارس سلطات كاذبة، لا يجوز أن نترك زيّ الكهنوت عرضة للتلاعب والابتذال.

لقد حاول الأقباط منذ عقود المطالبة بهذا القانون، لكن أصواتهم ذهبت أدراج الرياح. واليوم، بعد أن تفاقمت الكارثة وازدادت الجرائم، لا عذر للحكومة ولا للبرلمان إن تراخوا أو تلكأوا. الشعب ينتظر حماية حقيقية، والكنيسة نفسها تحتاج غطاءً قانونياً يحمي هيبتها من التشويه.

إن تقنين ملابس الكهنة والرهبان ليس ترفاً ولا مطلباً ثانوياً، بل هو واجب وطني وديني وأمني. فلتتحركوا الآن قبل أن نجد أنفسنا أمام فضائح أكبر وجرائم أفظع. التاريخ لن يرحم المتقاعسين.