القمص يوحنا نصيف
أبناء الله هم أبناء النور الحقيقي؛ ولذلك يحبّون النور، ويسعون دائمًا للسير في النور.
العالم يوجد به الكثير من الظلمة، وأحيانًا يحاصِر أبناء الله بظلمة الخطايا والشرّ لدرجة خانقة، قد يستسلم لها البعض، بينما يجاهد البعض الآخَر أن يجد نور المسيح ويفرح به، مهما كانت الظروف المُحيطة!
لقد علّمنا ربّنا يسوع المسيح "أنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ" (يو3: 19-21). لهذا فإنّ أولاد الله يسعون بكلّ قوّتهم أن يُقبِلوا إلى النور لكي يتمجّد أبوهم السماوي العامل فيهم.
هنا يظهر السؤال: ما هي الوسائل التي نُقبِل بها إلى النور؟ أو بعبارة أخرى، أين نجد نور المسيح؟!
الإجابة تتلخّص في خَمْسِ كلمات: سنجد نور المسيح في كلمته، وفي التوبة، وفي المحبّة، وفي اليقظة، وفي معرفة الحقّ.
أوّلاً: في كلمته:
كما يقول المزمور أنّ وصيّة الربّ مُضيئة تنير العينين عن بُعد (مز18 في صلاة باكر بالأجبية). فنحن عندما نقرأ كلام الإنجيل تستنير أذهاننا بالفِكر الإلهي، وتتكشّف أمامنا طرق الحياة وطرق الموت. وكما يقول المزمور أيضًا: "سراج لرجليّ كلامك ونور لسبيلي" (مز119: 105)، "بنورك يارب نعاين النور" (مز36: 9). لهذا يشجِّعنا القدّيس بطرس على التأمُّل في كلمة الله بقوله: "تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ ٱنْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ" (2بط1: 19).
ثانيًا: في التوبة:
كما أنّ الخطيّة هي سقوط في بؤرة مُظلِمة كئيبة، هكذا فإنّ التوبة هي استيقاظ وانتباه وخروج إلى دائرة النور المُفرِحة المتّسِعة. فإنّ المسيح نقلنا من الظلمة إلى النور بإنقاذنا من عبوديّة الخطيّة وقبرها، ويدعونا دائمًا للتمتُّع بنور قيامته؛ هنا يقول القدّيس بولس الرسول، في دعوته للتوبة: "اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ" (أف5: 14).
ثالِثًا: في المحبّة:
عندما تمتلئ قلوبنا من محبّة الله، يدخل نوره المُفرِح فينا.. بمعنى أنّه عن طريق ممارسة المحبّة نَختَبِر النور في حياتنا ونفرح به.. أمّا إن دخلت البُغضة إلى القلب فهي تجعله مُظلِمًا، بل ويتخبّط في الظلام. كما يُعَلِّمنا القدّيس يوحنا: "مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ" (1يو2: 10-11).
رابعًا: في اليقظة:
بالطبع الإنسان النائم لا يمكن أن يرى النور، لأنّ عينيه مغلقتان. ولكن عندما يستيقظ فإنّه يفتح عينيه، وبالتالي يستطيع أن يرى النور. هكذا مَن يريد أن يرى نور ومجد المسيح لن يُمكِنَه أن يظلّ غارقًا في النوم والكسل، ويتوقّع أنّه سيُبصِر النور. أمّا الذي يُلبّي نداء الكنيسة: "قوموا يا بني النور لنسبّح ربّ القوّات" فهو الذي يتمتّع بمعاينة نور المسيح؛ ولعلّنا نتذكّر ما حدث وقت التجلّي، عندما أخذ المسيح ثلاثة من تلاميذه ليلاً للصلاة على الجبل وتجلّى بمجدٍ عظيم، ولكنّهم كانوا تثقّلوا بالنوم "فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ" (لو9: 32)!
خامسًا: في معرفة الحقّ:
المسيح هو الحقّ (يو14: 6)، وكلامه هو حقٌّ (مز119: 142)؛ لذلك فإنّ معرفة الحقّ من خلال وصايا المسيح، ومِن خلال عِشرتِهِ تنير القلب والذهن، وتكشف للإنسان أسرار الحياة. لذلك يشهد القدّيس يوحنّا في رسالته: "نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ" (1يو5: 20). وبالتالي فإنّنا كلّما ننمو في معرفة الحقّ فإنّ قلوبنا تستضيء بنور المسيح!
القمص يوحنا نصيف