القمص يوحنا نصيف
    + في المقالين الماضيين، تحدّثنا عن القدّاس كرحلة صعود للسماء، ثمّ رحلة نزول للعالم. وقُمنا بعرض مقتطفات من سبع مجموعات من الصلوات السرّيّة التي يصلّيها الأب الكاهن في القدّاس، حتّى نكتشف بعض الأعماق الجميلة في رحلة الصعود..

    وكان الختام بصلاة جميلة تبدأ بكلمة "أنت الذي وضعنا حياتنا عندك يارب.. إحفظنا في كلّ موضِع نحضر فيه"، لكي نؤكِّد -في ختام القدّاس وبعد التناول من الأسرار المقدّسة- أنّنا قد صرنا ثابتين في المسيح، ونبدأ الانطلاق في رحلة النزول إلى العالم من هذا الوضع القوي والمجيد.

* كيف نعيش القدّاس بعد القدّاس؟
    + عندما نفهم الليتورجيا بعُمق ونعيشها، فإنّنا بالتأكيد سنفهم كيف تمتدّ الليتورجيا بعد انتهاء القداس.

    + إذا كان "المسيحيون يقيمون القداس، والقداس يقيم المسيحيين"؛ بحسب اعترافات شهداء قرطاجنّة في القرن الثالث، فإنّ اتّحادنا بالمسيح في القُدّاس هو الذي يمنحنا القيامة التي تجعلنا نتجلّى بنور المسيح وسط العالم.

    + الله يرفعنا في القداس، لكي نرفع الناس الذين نلتقي بهم بعد القداس.

    + العالم محروم من كلّ الكنوز التي أخذناها، لذلك نحن ننزل إليه بحذرٍ، لئلاّ يسلبنا ما أخذناه.

    + نحن ننزل للعالم، ومعنا يسوع بكلّ قدراته ومحبّته ووداعته وطهارته!

    + كما نلنا نعمة الخلاص في الليتورجيا، ينبغي علينا أن نعتني بخلاص كلّ إنسان نلتقي به.

    + الكنيسة لا ينبغي أن تحصر العالم داخل جدرانها، بل تنطلِق إلى العالم لتجعله كنيسة مجيدة!

    + هذه هي رسالة الكنيسة التي تتمتّع باتّحادها بالمسيح.. أن يكون للعبادة الكنسيّة الداخليّة صداها في المجتمع الخارجي، بإحداث تأثير ملموس في حياة كلّ الناس.

    + الذين يركعون على ركبهم في القداس، هم الذين يستطيعون الركوع لغسل أرجل الناس، ورفعهم من أسفل، وأيضا حمل أثقالهم؛ وهكذا يتمّمون ناموس المسيح (غل6: 2).

    + إنّه اختيارنا؛ أن يكون القداس محدودًا فقط بوقته، أو أن يكون ممتَدًّا في حياتنا!

    + إذا كنا نقول في بداية صلوات القدّاس: مجدًا وإكرامًا للثالوث القدُّوس.. سلامًا وبنيانًا للكنيسة.. فكلّ هذا المجد والإكرام والسلام والبنيان هو موهوبٌ لنا لكي نستمتع به، ونمدّه للآخَرين أيضًا فيشتركوا معنا في هذا الغِنَى!

    + بعد الاتّحاد بالمسيح، نحن نصير يديه وعينيه وأذنيه وسط العالم.. نسند الآخرين، ونراهم محبوبين، ونسمع لأنينهم.. بمعنّى أنّني أرى كلّ إنسان بعيني يسوع، وأسمعه بأذنيّ يسوع، وأشعر بآلامه وأسنده مثل يسوع!

    + نحن نتّحد بالمسيح في القداس وننال منه قوة الحياة الأبدية؛ ثم نذهب لنتّحد بالناس بعد القداس، وننقل لهم هذه الحياة والحبّ والفرح!

    + عندما نتلامس مع الذبيحة الإلهية، ونتناول منها، نستطيع أن نقدم أنفسنا أيضًا كذبيحة حيّة مرضيّة لدى الله (رو12)، في خدمة الجميع!

    + يقول القدّيس القمّص بيشوي كامل عن واجبنا بعد القدّاس، في كتابه الشيّق "تأمّلات في القدّاس الإلهي":
   نقدّم يسوع للعالم؛
   يسوع المُريح،
   يسوع حامل الخطيّة،
   يسوع الوديع،
   يسوع المُحِبّ للأعداء،
   يسوع الذي يُقيم الميّت، ويُشَدِّد الأعرج،
   يسوع مُشبِع نفس سامريّة هذا العالم، وسط حرّ النهار!

    نحن مسؤولون عن العالم، رغم أنّ العالم يُرهِقنا جدًّا؛ نحن ننزل إلى العالم كنزول حمامة نوح، ونعود سريعًا إلى الفُلك (الكنيسة). وفي العالم ينبغي أن نعيش بإحساس الغربة، والشوق للرجوع لبيت أبينا.

[مراجع المقال: الخولاجي المقدّس - كتاب: "تأمّلات في القدّاس الإلهي" للقدّيس القمص بيشوي كامل – محاضرة باللغة الإنجليزيّة عن "القدّاس الذي بعد القدّاس" لنيافة الحبر الجليل الأنبا توماس مطران القوصيّة وتوابعها]

القمص يوحنا نصيف
سبتمبر 2025م

* الأيقونة للمسيح الفاتح أحضانه للجميع. فِكرة وتنفيذ الفنّانة المُبدعة تاسوني سوسَن. موضوعة بمدخَل كنيسة السيّدة العذراء بشيكاجو - المبنى الجديد (كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل).