بقلم الأب يسطس الأورشليمى
هل يوجد أحد ينكر المعجزة وكيف لانسان عقل ان ينكر المعجزة لأن كل واحد فينا أذا نظر إلى شريط حياته يارى كم صناع الله به من المعجزات من خلال محبة الله لذلك الأنسان.
المعجزة هي عمل يفوق الطبيعة، ويفوق التوقع الطبيعي، كأن يُشفى إنسان مريض بمرض عضّال فجأة وبدون علاج، أو يقوم ميت من الموت، أو غير ذلك من الأحداث فائقة الطبيعة.
وأعمال الله التي يعملها يوميًا معنا يمكن أن تُعتبر معجزات بالنسبة لنا، ولكنها شيء طبيعي بالنسبة لقدرة الله الفائقة.
لم تتم المعجزات استعراضًا لقوّة لاهوت السيّد، وإنما حملت أولاً وقبل كل شيء إعلانًا عن محبّة الله الفائقة نحو الإنسان، وقد اختار الإنجيليّون عيّنات من معجزات السيّد غير المحصاة ليقدّموا لنا فكر الله من نحونا. فالإنجيلي متّى يقدّم لنا بعد عرضه للموعظة على الجبل تطهير الأبرص اليهودي، وشفاء غلام قائد المائة الأممي، المعجزة الأولى تكشف عن رسالة السيّد نحو اليهود، ألا وهي تطهيرهم من كل دنس حلّ بهم، والثانية رسالته نحو الأمم الذين تعرّضوا للهلاك بسبب العبادة الوثنيّة .
يتكلّم الكتاب المُقدَّس كثيرًا عن المعجزات.. وهناك معجزات يُجريها الله على أيدي قديسيه الأطهار، ولا يزال حتى اليوم يتداول بعض الناس قصصًا عن معجزات تُجرى في عصرنا الحاضر.
لكن المعجزة الإلهية قد صارت شيئًا زهيدًا بسبب التكرار والاعتياد.. فالشمس تشرق كل يوم، وتغرب في مواعيد محددة، وحركة الأفلاك السمائية التي لا تضطرب، بل ومعجزة جسم الإنسان وما فيه من أجهزة وعمليات فسيولوجية، والعقل البشرى وما يحويه من غنى، والإبداع والقدرة على التفكير، وعدد الخلايا العصبية التي فيه وكيف تعمل، بل لو تأملنا في كل ما يحيط بنا، لأدركنا مقدار الإعجاز فيه لولا أننا اعتدنا.. فصار كل شيء لنا طبيعيًا، وبدأنا نبحث عن الأشياء الخارقة
وعندما تجسّد الله وحل بيننا، كان الشيء الطبيعي بالنسبة له أن تخرج منه قوة لشفاء الناس.
“الذي جالَ يَصنَعُ خَيرًا ويَشفي جميعَ المُتَسَلطِ علَيهِمْ إبليسُ” (أع 38:10).
“وكانَتْ قوَّةُ الرَّب لشِفائهِمْ” (لو 17:5).
“وحَيثُما دَخَلَ إلَى قُرىً أو مُدُنٍ أو ضياعٍ، وضَعوا المَرضَى في الأسواقِ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَلمِسوا ولو هُدبَ ثَوْبِهِ. وكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفيَ” (مر 56:6).
“فقالَ يَسوعُ: قد لَمَسَني واحِدٌ، لأني عَلِمتُ أنَّ قوَّةً قد خرجَتْ مِني” (لو 46:8) .
لقد كان الرب يسوع وسط الناس كمثل التيار الكهربائي الذى تخرج منه قوة تُنير، وتُحرك، وتُسخن، وتُبرد. كذلك كانت القوة الخارجة من الرب تشفى، وتُطهر، وتغفر الخطايا، وتُبارك الأكل، وتُقيم الموتى… كان كل ذلك مُعجزيًا في نظر الناس، ولكنه كان طبيعيًا جدًّا بالنسبة للرب يسوع.
يمكننا أن نعتبر قيامة السيد المسيح من الموت، ليست معجزة لأنها الشيء الطبيعي بالنسبة له.. فهو ينبوع الحياة:
“فيهِ كانَتِ الحياةُ، والحياةُ كانَتْ نورَ الناسِ” (يو 4:1).
“قالَ لها يَسوعُ: أنا هو القيامَةُ والحياةُ. مَنْ آمَنَ بي ولو ماتَ فسَيَحيا” (يو 25:11).
“قالَ لهُ يَسوعُ: أنَا هُو الطَّريقُ والحَقُّ والحياةُ. لَيس أحَدٌ يأتي إلَى الآبِ إلاَّ بي” (يو 6:14).
“لأنَّ عِندَكَ يَنبوعَ الحياةِ. بنورِكَ نَرَى نورًا” (مز 9:36).
إذا أردت أن ترى معجزة.. فالمعجزة الحقيقية هي التجسد.. أن يصير الله إنسانًا!! والمعجزة الأكبر هي الصليب.. أن يموت الله.. إنه شيء غير عادى على الإطلاق!! لذلك قام المسيح من الأموات.. “ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ” (أع 24:2).
والمعجزة الحقيقية التي تجرى في حياتنا هي تجديد طبيعة الإنسان، واقتناؤه الحياة السمائية
ويرى القدّيس هيلاري أسقف بواتييه في المعجزة صورة حيّة لعمل السيّد المسيح داخل الكنيسة إذ يغفر الخطايا واهبًا النفس الشفاء متمتّعة بالبنوّة لله، إذ يدعوه "يا بنيّ"، الأمر الذي عجز عنه الناموس، كما يقول القدّيس: [في المفلوج أُحضر إليه كل الأمم لينالوا الشفاء... لقد دعاه "يا بنيّ" لأنه عمل الله. لقد غفر له خطاياه، الأمر الذي لم يستطع أن يفعله الناموس، إذ بالإيمان وحده (لا الناموس) يتبرّر. إنه يُعلن قوّة القيامة بحمله السرّير ليعلِّم بأن في السماء ستكون الأجساد بلا ضعفات] .