كمال زاخر
مصر رغم متاعبها الإقتصادية، مازالت عفية، وسر عافيتها، الإنسان المصري بطبيعته الصبورة المعافرة مع الزمن المفعمة بالرضا النابع من طبيعة الأرض السمراء بطميها ونيلها الذي لم يتوقف يوماً عن العطاء، وهذا كلام اختبرته على المستوى الشخصي، مع بيتي في مواجهة اعاصير كادت تعصف بنا. هذه الطبيعة لم يختبرها المتصحرون، لغياب حميمية الأرض والزرع والنهر والحضارة .
 
ارتباطنا بالوطن، الكيان والتاريخ والأرض والناس، يتجاوز الشعارات لأنه واقع يمتلكنا، لهذا فالمصريون في الشدائد وأوقات الخطر يتحولون إلى سبيكة عصية على التفكك ومازلت اتذكر طابور البسطاء وهم يتبرعون بأشيائهم الشحيحة والبسيطة والتي قد لا يملكون غيرها لدعم المجهود الحربي بعد نكسة يونيو ٦٧، ومعهم المصريون المهاجرون وقد انتفضوا وقتها لدعم بلدهم بشتى الطرق. 
لهذا فالجبهة الداخلية مازالت عفية، وتدعم جيشها ودولتها، وتثق في قدرتها على حماية سيادتها على ارضها، وترفض حملات التشكيك وابواق التهديد.
 
وللرفض اسبابه؛ ففيما يتعلق بالتشكيك، لا يمكن لشخص موضوعي أن ينكر الدور المحوري لمصر وربما الوحيد الذي تحمل عبء القضية الفلسطينية منذ لحظتها الأولى مع هوجة ٤٨ وصولاً إلى نكسة ٦٧، واستدراجها فيما بينهما في حرب اليمن الكارثية، والتي كانت واحدة من اكبر محطات استنزاف مصر واجهاد واجهاض قوتها العسكرية والاقتصادية، عن قصد توطئة لاحتلال سيناء (ثلث مساحة مصر)، واجهاض الدور المصري الداعم للحق الفلسطيني.
 
وبفضل الشعب المصري وجيشه استردت مصر كرامتها وارضها في ٧٣، وفيما وظفت السلام لدعم الحقوق الفلسطينية وكادت ان ترد للفلسطينيين حقهم في غالبية ارضهم، قامت الدنيا - العربية - عليها ولم تقعد إلا ومصر معزولة عن دائرتهم، وخرجت حناجرهم "بلاءاتهم" الشهيرة، واستمر الأمر حتي ربيعهم العربي لينتقلوا من خانة الدول ذات السيادة إلى مليشيات اثنية تتناحر على اشلاء دولهم. وفيما وجدت القواعد العسكرية الأمريكية مكانا أثيراً لها في غالبية دول المنطقة، حافظت مصر علي نقاء ارضها منها وبقي جيشها القوة الضاربة المتماسكة الوحيدة رغم كل الازمات والتحديات التي حاصرتها، بامتداد ثلاثة ارباع القرن، وكانت الكلفة باهظة؛ شهداء من خيرة شبابها، ومعاناة يئن من وطأتها كل مصري، فيما قفز ثراء تلك الدول بقفزات نفطها بفضل صمود مصر المستنزفة. 
يأتي التشكيك من الذين صدمتهم إنتباهة مصر لمهام جيشها الأساسية بالدفاع عن وطنه وعدم التورط في مغامرات خارجه.
 
على جانب اخر يأتي التهديد بمصادمة عسكرية ما لم تقبل بترحيل الفلسطينيين اليها، وهو تهديد يدرك مصدره انه لن يقوى على ترجمته إلى فعل، بعد ان تغيرت المعادلة بخطوات مدروسة بزيادة القدرة العسكرية بتنويع مصادر السلاح وامتلاك قوة ردع غير خافية، وصلابة ووضوح الموقف المصري بغير مواربة، مدعوماً بصلابة الجبهة الداخلية.
 
في الحالين مازالت مصر رمانة ميزان سلام المنطقة، وصمام أمنه، ومازالت دولة عصية علي التفكيك بفضل وحدة شعبها ووعي قيادتها. ومازلت تاج العلاء في مفرق الشرق، ذلك الوصف العبقري الذي صاغه الشاعر المصري حافظ ابراهيم في قصيدته "مصر تتحدث عن نفسها" والتي كتبها عام ١٩٢٦، أي قبل قرن كامل من الزمان، والتي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم، ١٩٦٩، تحمل الرد علي التشكيك والتهديد معاً، نضعها أمام أعين هؤلاء الفرقاء لعلهم يفيقون.
 
وقف الخــلق ينظرون جميعــــًا 
كيف أبني قواعد المجد وحدي 
 
وبناة الأهرام في ســالف الدهر 
كفوني الكلام عند التحـــــــدي 
 
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق 
ودراته فرائــــــــد عقـــــــدي 
 
إن مجـدي في الأوليات عريق 
من له مثل أولياتي ومجــــــــدي 
 
أنا إن قدر الإله ممـــــــــاتي 
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي 
 
ما رماني رام وراح سليمـــــاً 
من قديم عناية الله جنـــــــــــــدي 
 
كم بغت دولة عليّ وجــــارت 
ثم زالت وتلك عقبى التعــــــــدي 
 
إنني حرة كسرت قيــــــودي 
رغـــم أنـف العـدا وقطـــعت قيدي 
 
أتراني وقد طـــــويت حياتي 
في مراس لم أبلغ اليوم رشـــــــدي 
 
أمن العدل أنهم يردون المــاء صفـــــــــوا 
وأن يكــــــــدر وِردي؟ 
 
أمن الحق أنهم يطلقون الأُســـد منهم 
وأن تقيــــــــــد أُســـــــدي؟
 
نظر الله لي فأرشـــــد أبنائي 
فشدوا إلى العلا أي شـــــــــــــــــد 
 
إنما الحق قـوة من قوى الديــان 
أمضي من كل أبيض وهنــــــدي 
 
قد وعدت العـــــلا بكل أبي من رجـــــالي 
فانجزوا اليوم وعدي 
 
وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق 
فالعلم وحـــــــــــده ليس يجدي 
 
نحن نجتـــــــاز موقفاً تعثر الآراء فيه 
وثمـــــــــــــرة الرأي تردى 
 
فقفـــــــوا فيه وقفــــــــــة حزم 
وارســــوا جانبيـــه بعزمة المستعد.