ماجد سوس
نعيش اليوم في زمن قاسٍ يمكن أن نطلق عليه بحق زمن المظلومين، زمن يعلو فيه صوت الباطل على الحق وتختفي فيه العدالة بين ركام المصالح. هو زمن تُكسر فيه القلوب الطاهرة وتُحطم فيه أحلام شباب أبرياء لم يعرفوا غير الكفاح طريقًا، زمن يصبح فيه الصدق جريمة والشفافية دليل إدانة، ويغدو البريء أسيرًا لظروف لم يكن له يد فيها.

إن أقسى أنواع الظلم أن تأتيك الطعنة ممن ظننتهم سندك، من قريب يطعنك ببرود أو صديق يخذلك في ساعة شدة أو مجتمع يحكم عليك دون أن يسمعك. أما أشدّها قسوة فهو ذلك الذي يقع حين تتحول براءتك إلى تهمة ونجاحك إلى لعنة ووضوحك إلى فخ يقيدك.

ومن بين القصص المؤلمة التي هزّت الرأي العام مؤخرًا، تبرز قصة الشاب المكافح كيرلس حشمت لبيب، المعروف بين الناس باسم كوكو. نشأ كيرلس في أحد أحياء مصر الشعبية وسط بساطة العيش وأحلام الكفاح، وكان لصديقه سلطان محمد النصيب الأكبر في حياته، إذ جمعتهما صداقة لم تكن مجرد علاقة عابرة، بل أخوّة حقيقية بُنيت على الإخلاص والوفاء. معًا حملا حلمًا مشتركًا بأن يصنعا مستقبلًا أفضل بعرق جبينهما وصدقهما، وبدأت رحلتهما بمحل صغير لبيع الهدايا والإكسسوارات، رحلة لم تكن مفروشة بالورود، بل بالتعب والسهر ومشقة المنافسة، غير أن حسن معاملتهما للناس وحرصهما على الأمانة جعلا الزبائن يثقون بهما حتى صار اسم “كوكو أند أس” علامة يُشار إليها بالثقة والجودة.

ومع الطموح الذي لا يعرف المستحيل وسّعا نشاطهما عبر صفحة على فيسبوك لعرض منتجاتهما، وسرعان ما لاقت الفكرة نجاحًا باهرًا وذاع صيتهما وافتتحا فروعًا جديدة، وصارا قدوة لشباب كثيرين يحلمون أن يحولوا أحلامهم إلى حقيقة. غير أن الحياة لا تسير دائمًا كما نشتهي، ففي لحظة غير محسوبة دخل كيرلس في دوامة قلبت حياته رأسًا على عقب، إذ اشترى جهاز تابلت من أحد الموردين بحسن نية كما اعتاد أن يشتري مختلف المنتجات لعرضها للبيع، وعرض الجهاز في بث مباشر كما يفعل دائمًا مع بضاعته، ولم يكن يعلم أن هذه الخطوة البسيطة ستفتح عليه أبواب المأساة.

فقد تبيّن لاحقًا أن الجهاز كان قد سُرق في الأصل من مخازن وزارة التربية والتعليم، وأنه مر عبر أيد كثيرة قبل أن يصل إلى كوكو، من السارق إلى التاجر الأول ثم الثاني ثم الثالث حتى وقع في يديه، وكل من تعاملوا معه قبله اعتُبروا حسني النية ولم يُمسّهم القانون، أما هو، لأنه الوحيد الذي ظهر علنًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد صُنف سيئ النية وحُمّل وحده المسؤولية. أي عدل هذا الذي يبرّئ كل من سبقه ويتركه وحيدًا في قفص الاتهام؟ أي منطق هذا الذي يضحّي بشاب ناجح معروف بأمانته وصدقه من أجل جهاز لا يساوي شيئًا أمام سمعته وتعب سنوات عمره؟

اليوم يقف الناس أمام مأساة كيرلس متسائلين: كيف يُعقل أن يُدان شاب مكافح لم يعرف إلا الجد والاجتهاد، بسبب خطأ لم يرتكبه؟ وكيف يُهدر مستقبل إنسان بنى نفسه بعرق جبينه فقط لأنه كان الأكثر وضوحًا والأكثر شفافية؟ إن هذه الأسئلة لا تخص كيرلس وحده، بل تخص كل مظلوم في هذا الوطن، كل شاب يحلم بمستقبل أفضل ثم يجد نفسه ضحية ظلم أو بيروقراطية أو تسرع في الحكم.

إننا نرفع هذه الصرخة إلى سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نصير المظلومين وحامي العدالة في هذا الوطن. يا سيادة الرئيس، كيرلس حشمت ليس مجرمًا ولا محتالًا، بل شاب شريف أحب بلده وبنى نفسه من لا شيء وكان نموذجًا يُحتذى به بين شباب مصر. نناديك أن تنظر في قضيته بعين العدل والرحمة، وأن ترفع عنه هذا الظلم الذي لا يحتمله قلب ولا عقل، فرفع الظلم عنه ليس إنصافًا له وحده، بل رسالة أمل لكل شاب يكدّ ويتعب ليبني نفسه بشرف.

ونداؤنا أيضًا إلى المجتمع بأسره: لا تكونوا شركاء في ظلم الصامتين، ارفعوا أصواتكم مع صوت كيرلس، ومع كل صوت مظلوم لم يجد من يسمعه. فالعدل لا يُبنى بصوت واحد، بل يحتاج إلى ضمير أمة بأكملها، والسكوت عن الظلم ظلم آخر.
اللهم اشهد أننا بلغنا وكتبنا صرخة المظلوم، لعلها تجد في سماء مصر صدرًا رحيمًا يسمع ويدًا عادلة تنصف، فالمظلوم قد يضعف لكنه لا يموت، والحق قد يتأخر لكنه لا يضيع أبدًا.