نادر شكري
شهدت العاصمة البريطانية لندن وعددًا من المدن الأوروبية، من بينها أوزربي، تظاهرات واسعة النطاق نظّمها أنصار التيار اليميني ، احتجاجًا على تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، ورفضًا لما وصفوه بـ"تنامي النفوذ الإسلامي في المجتمعات الأوروبية".
وبحسب التقديرات، شارك في المظاهرات عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين رفعوا أعلامًا وطنية ولافتات تحمل شعارات مناهضة للهجرة، فيما ارتدى آخرون قبعات تحمل اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولوّح بعضهم بالأعلام الأميركية والإسرائيلية، في إشارة إلى دعمهم لخطاب قومي متشدد.
وفي لندن، تحركت المسيرات من قلب المدينة نحو عدد من الميادين الرئيسية، وسط تواجد أمني مكثف خشية اندلاع أعمال عنف. وشهدت المسيرة اشتباكات محدودة مع مجموعات من الناشطين المناهضين للعنصرية الذين نظموا مظاهرات مضادة رافعين شعارات تدعو للتسامح والتعددية الثقافية.
وفى باقى الدول الأوربية، فقد خرجت حشود من المواطنين تلبية لدعوات أطلقتها جماعات يمينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للمطالبة بوقف ما أسموه "أسلمة المجتمع" والتشديد في قوانين اللجوء والهجرة. وردّ ناشطون في مجال حقوق الإنسان بانتقادات حادة، معتبرين أن هذه التحركات "تغذّي خطاب الكراهية والانقسام داخل المجتمعات الأوروبية".
من جانبها، أكدت الشرطة البريطانية أنها تعمل على "حماية حق التعبير السلمي عن الرأي"، لكنها شددت في الوقت نفسه على أنها "لن تسمح بأي تجاوزات أو أعمال عنف". بينما حذرت مؤسسات مدنية ودينية من خطورة تصاعد موجة الكراهية ضد المهاجرين، وما قد يترتب عليها من تهديد مباشر للسلم الاجتماعي في أوروبا.
وتأتي هذه الموجة من التظاهرات في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية متصاعدة في عدد من الدول الأوروبية، ما يجعل قضية الهجرة واللجوء محورًا رئيسيًا في الجدل السياسي والإعلامي، وورقة ضغط أساسية في الحملات الانتخابية للأحزاب اليمينية.
التداعيات على المستقبل
أثارت هذه الموجة من المظاهرات في لندن وباقي دول اوروبا ضد المهاجرين والإسلاميين مخاوف جدية بشأن مستقبل الجاليات المهاجرة في أوروبا، خصوصًا في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتشدد. هذا التحول يترك عدة تداعيات:
تشديد السياسات والهجرة واللجوء
من المتوقع أن تدفع الضغوط الشعبية الحكومات الأوروبية إلى مراجعة سياسات الهجرة، بفرض قيود أشد على استقبال اللاجئين، وتشديد إجراءات الحصول على الإقامة أو الجنسية، بما يعكس تراجعًا في تقاليد الانفتاح التي عُرفت بها أوروبا.
تأثر صورة المهاجرين في المجتمع
المظاهرات وما رافقها من شعارات معادية تساهم في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن المهاجرين، خاصة المسلمين، باعتبارهم "تهديدًا ثقافيًا" أو "خطرًا أمنيًا"، ما يزيد من احتمالات التمييز والعزلة الاجتماعية.
تغذية خطاب الكراهية والانقسام
استمرار الخطاب اليميني المعادي للمهاجرين يقابله في بعض الحالات رد فعل متشدد من قِبل جماعات إسلامية متطرفة تحاول فرض أنماطها الفكرية على المجتمعات الأوروبية. هذا الصراع يعمّق الانقسام المجتمعي ويضعف فرص التعايش السلمي.
استغلال التشدد الإسلامي كمبرر سياسي
تحركات بعض التيارات الإسلامية التي تُتهم بمحاولة "إرغام الأوروبيين" على قبول ممارسات أو رموز دينية وسياسية مثيرة للجدل، وفّرت ذريعة قوية للأحزاب اليمينية لتبرير حملاتها ضد المهاجرين. وبذلك، يصبح سلوك الأقلية المتشددة عبئًا على الأغلبية المعتدلة من المهاجرين الذين يسعون للاندماج.
تأثير مباشر على الأجيال الجديدة من المهاجرين
أطفال المهاجرين الذين يولدون ويترعرعون في أوروبا قد يجدون أنفسهم أمام بيئة مشحونة بالكراهية والتمييز، مما يعيق اندماجهم الطبيعي، ويزيد من فرص انجرار البعض منهم إلى دوائر التطرف كرد فعل على رفض المجتمع لهم.
يمكن القول إن تشدد بعض الجماعات الإسلامية، ومحاولة فرض قيمها على المجتمعات الأوروبية، ساهم في تحول في رد فعل الأوروبيين ضد الإسلاميين والنتيجة المباشرة لذلك قد تكون تشريعات أكثر صرامة، تراجع في فرص الاندماج، وتنامي مخاطر التمييز والكراهية، الأمر الذي يجعل مستقبل المهاجرين في أوروبا أكثر هشاشة وتعقيدًا