بقلم الأب يسطس الأورشليمى
يقول القديس يوحنا الأنجيلي " ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ... فأُعطوا كل واحد ثيابا بيضاء ، وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا ".(رؤ 6: 9)
 
 للشهداء مكانة مميزة في السماء ، في الكنيسة المنتصرة ... إذ هم تحت المذبح ، أُعطوا ثيابا بيضا. أننا لا نتعجب من ذلك ، فليس أعظم من أن يسفك الإنسان دمه لاجل من يحبه     " ليس حب اعظم من هذا " ... أو بحسب تعبير يوحنا في رؤياه " ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. لا عجب إذن ، أن رأينا الكنيسة المجاهدة تكرمهم ، وتضعهم في منزلة خاصة في صلواتها ، وتقدس أضرحتهم ، وذخائرهم ، وتطلب شفاعتهم ...
 
تضع الكنيسة الشهداء في مرتبة سابقة لجميع القديسين على اختلاف رتبهم ... هم يتقدمون البطاركة والنساك ، ولا يتقدمهم سوى العذراء الطاهرة والدة الإله ، والطغمات السمائية ، ورؤساء الآباء ، والأنبياء .  وتذكر الكنيسة أسماءهم في مواضع عديدة من خدماتها ، تطوبهم وتطلب شفاعتهم وبركتهم
 
في الصلوات والتسابيح :
تذكرهم الكنيسة في الأبصلمودية (السنوي والكيهكي ) ، وكذا في الذكصولوجيات والابصاليات الخاصة بهم وفي الدفنار.
 
يذكرهم الآباء الكهنة في تحليل عقب صلاة نصف الليل " بشفاعة ذات الشفاعات ، معدن الطهر والجود والبركات ، سيدتنا كلنا وفخر جنسنا ، العذراء البتول الذكية مارتمريم .. وكافة الملائكة والأنبياء والرسل والشهداء والقديسين والسواح والعباد والنساك والمجاهدين .. " .
 
ونذكرهم في ذكصولوجية باكر عقب صلاة مزامير باكر قبل رفع البخور ، وفي أرباع الناقوس ، في رفع بخور عشية وباكر ...
 
وتذكرهم الكنيسة في البركة الختامية لصلوات رفع البخور والقداس الإلهي التي يمنحها الآباء الكهنة للشعب.
 
وتذكرهم الكنيسة في القداس الإلهي في بعض الألحان المستديمة (الهيتينيات) ، وأحيانا في مرد الإبركسيس ، وفي مجمع الآباء القديسين ، وفي ألحان المناسبات.
 
وتقدم الكنيسة سيرهم للقدوة والبركة في السنكسار الذي يتلى على المؤمنين في كل قداس.
 
ذخائر الشهداء ، وأضرحتهم ، وإحياء تذكاراتهم :
  في المفهوم الروحي الكنسي يعتبر يوم موت الشهيد هو يوم ميلاده السماوي . وكتعبير عن هذا المفهوم يقول القديس اغسطينوس: انه إذا كان يوم خروج الطفل من أحشاء أمه المظلمة ، يحتفل به كعيد لميلاده ، فبالأولى يعتبر عيدا يوم ينحل الإنسان من رباطات الجسد المظلمة ، وينطلق من هذا العالم إلى المجد الأسنى .
 
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " لنسجد أمام بقايا الشهداء ، ونحتضن توابيتهم ،
 
وقد تبارت الكنائس المختلفة والأديرة في الاحتفاظ بأجساد الشهداء وذخائرهم . وكان المسيحيون يسارعون إليها طلبا لبركتها ، ومعونة أصحابها ، حتى أن القديس باسيليوس الكبير يصفهم بأنهم – بعد موتهم – يصبحون صيادين للناس ، يجذبون ربوات منهم إلى قبورهم.
 
    ومازالت كثير من الكنائس والأديرة القديمة في العالم – خاصة في مصر – تحتفظ بالكثير من ذخائر هؤلاء الشهداء الأبرار.  وكانت تفعل ذلك لغرضين أولهما إيمانها بينبوع البركة الكائن فيها وكانت تحدث معجزات كثيرة من هذه الأجساد والذخائر ، وثانيهما لتعلن أنها على إيمان هؤلاء الشهداء الأبطال.
 
التشفع بالشهداء :
   وهذه عقيدة إيمانية إنجيلية ، تمسكت بها ومارستها الكنيسة الجامعة منذ البداية ، إيمانا منها بالصلة القائمة فعلا بين أعضاء جسد المسيح السري الواحد ، بين الذين ما زالوا يجاهدون على الأرض ، والذين انطلقوا ظافرين إلى السماء ، وقد تأيد كل ذلك بتعليم أباء الكنيسة القديسين ومعلميها ، عن فعالية صلوات الشهداء أمام عرش النعمة ، وبما أعلن للشهداء من رؤى قبيل استشهادهم.
 
  ففي زمان الاستشهاد وبينما كانت أعداد الشهداء كثيرة ودائمة ، كان ينظر إليهم سفراء من الكنيسة المجاهدة على الأرض إلى سيدها في السماء. وكان اخوتهم يسألونهم أن يتذكروهم ليذكروهم حينما يمثلون أمام المسيح.
 
ويقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس ( النيزينزي ) عن كبريانوس الشهيد " إن تراب كبريانوس مع الإيمان ، يمكن أن يفعل كل شئ .  ويعلم ذلك كل من خبر هذا الأمر " .
 
كم هو عظيم إيماننا المسيحى الذى تسلمناه من الآباء نقياً ، الايمان المسلم مرة من القديسين ، الإيمان الذي روى بالدم الذكى ، دم الشهداء الأبرار . 
وكم هى عظيمة ومجيدة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية . أم الشهداء جميلة ، أم الشرفاء نبيلة ، عبرت بحر الآلامات حفظت بدمائها الحق قويم . 
   كنيسة الآباء الرسل ، كنيسة الشهداء والمعترفين ، كنيسة القديسين الذين نحن نسير على دربهم وببركة صلواتهم المرفوعة عنا أمام عرش النعمة .