بقلم /نادر شكري
من يتخذ قرار الحرب في مصر هي القيادة السياسية والقوات المسلحة، ولا يحق لغير المختصين – خاصة رجال الدين – التدخل في هذا الملف المرتبط بالأمن القومي. فعندما يُتخذ مثل هذا القرار، يكون هدفه الدفاع عن الوطن فقط، وليس خدمة أي طرف آخر، لأن ما يهمنا أولًا وأخيرًا هو مصر.
البعض يتحدث عن الحرب وكأنها شأن عابر، متناسين أن أي صراع في العالم ينعكس علينا اقتصاديًا. الحرب الأوكرانية والحرب الإيرانية وأحداث غزة خير دليل على ذلك، إذ أدت إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الأزمات، حتى أن ضرب الحوثيين لعدد من السفن عطّل قناة السويس وتسبب في خسائر بمليارات الدولارات.
إن أخطر ما يواجه مصر اليوم هو محاولات جرّها إلى صراعات خارجية، وهي أمنية أعداء الوطن وعلى رأسهم جماعة الإخوان، التي تعمل على زعزعة الاستقرار والدفع بالبلاد بعيدًا عن خيار السلام. ومع ذلك، تُحسب للقيادة السياسية وقواتنا المسلحة حالة ضبط النفس أمام الاستفزازات، إدراكًا أن الحرب خسارة للجميع.
ورغم الانتقادات التي وُجهت للرئيس الراحل أنور السادات بسبب إطلاقه العنان للجماعات المتطرفة، إلا أن التاريخ يسجل له ولمن شاركوه حرب أكتوبر 1973 واتفاقية السلام التي جنبت مصر ويلات الصراع وأتاحت لها فرصًا للتنمية في سيناء ومحور قناة السويس.
اليوم، نحن بحاجة إلى أن يلتزم كل طرف بدوره وتخصصه، وأن نتكاتف لاستعادة هوية مصر التي كانت منارة للتنوع والثقافة والفكر، قبل أن تعبث بها جماعات الخراب. المطلوب هو وقف تدخل الدين في السياسة، وهو ما أثبتت تجارب دول أخرى مثل السعودية أنه شرط أساسي للتقدم.
مصر – أرض الحضارة – تستحق أن تعود إلى موقعها الطبيعي بين الأمم. ولن يتحقق ذلك إلا بالحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية، والاستماع للرأي الآخر، والعمل على تحسين أوضاع المواطنين، بعيدًا عن الشعارات العاطفية والدعوات الخاسرة للحروب.
إن مصر لن تنهض إلا حين نغلق الباب أمام تدخل رجال الدين في السياسة، ونتوقف عن المتاجرة بالدين في سوق المصالح والصراعات، لأن هذا النهج لا يتفق مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على القانون والمواطنة والمساواة. فرجال الدين دورهم الأصيل هو الصلاة، وتعزيز القيم الإنسانية
والأخلاقية، ودعم روح التسامح والمحبة بين الناس، وليس اقتحام ساحات السياسة أو إصدار فتاوى تحدد مصير الأوطان. إن إنقاذ مستقبل مصر يتطلب عقلًا حرًا ودولةً مدنية قوية، تضع الإنسان أولًا، وتبني على قيم العمل والعلم والعدل لا على الشعارات الدينية.