أحمد الخميسي
كان يوم الخميس 4 سبتمبر الحالي يوم فرحة كبرى حين احتفلنا بذكرى المولد النبوي الشريف، ذكرى مولد من تجمعت حوله أسمى معاني المحبة والسلام. تدفقت الفرحة في النفوس وفي وسائل الاعلام بمختلف أشكالها، وقد استوقفتني تهاني أخوتنا الأقباط القلبية الصادقة بل وخروج بعض كهنة الكنائس إلى شوارع بعض المدن يوزعون الحلوى على المارة بمناسبة ذلك اليوم.
هزتني تماما تلك التهاني، لأنها تؤكد مجددا الوحدة الوطنية التي صانت مصر وحفظتها على امتداد تاريخها، هذه الروح التي بزغت مع ثورة 19 وشعار" الدين لله والوطن للجميع"، ومع خطب القمص سرجيوس من فوق منبر الأزهر وصيحته: " نحن المصريين أمة واحدة لا يفرقها مسلم أو مسيحي.. فالكل يجاهد من أجل الوطن"، ورافقت تلك الصيحة دعوة مكرم عبيد المصري العظيم حين قال : " نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا "، يقصد بذلك أن الأقباط سوف يحافظون على الوطن المسلم لأنهم بذلك يحرسون مصر موحدة قوية.
وظل ذلك الوطني الجليل يناضل من أجل تحرير مصر من الاحتلال الانجليزي وضد التمييز الديني إلى أن توفاه الله في 5 يوليو 1961. وواصلت الدماء المصرية ترسيخ الوحدة الوطنية، وحصل شفيق مترى سدراك على ترقية استثنائية من عبد الناصر نظراً لبطولته فى معركة ابو عجيلة ضد الإسرائيليين، وفي حرب أكتوبر لمع اسم شنودة بطل الشط الذي حمل قائده المصاب الرائد غريب ومضى به وسط الرصاص والقنابل حتى استشهد الاثنان معا، ومثل هذه البطولات كثيرة، كما تجلت الوحدة الوطنية في الثقافة بحضور د. لويس عوض جنبا إلى جنب مع د. محمد مندور، ويوسف الشاروني مع يوسف إدريس، ويوسف شاهين في السينما مع عاطف الطيب، وفي العلم يلمع معا د. مجدي يعقوب مع د. محمد غنيم ، ولا نهاية للأمثلة التي تؤكد الوحدة الوطنية بتاريخها العريق، وكان خروج الكهنة الى الشوارع يوم المولد النبوي يقدمون الحلوى للعابرين مشهدا إضافيا في لوحة ضخمة.
إلا أن تأثير الفكر الأخواني مازال مستمرا، الإخوان الذين عبروا عن فكرهم ومنهجهم على ألسنة قادتهم حين قال محمد عاكف أحد زعمائهم :" ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن"، وصرح من قبله مأمون الهضيبي مرشد الجماعة بقوله : " طز في الوطن " وأضاف أنه لا ولاء للحدود الوطنية.
وفي ذلك السياق الرجعي استخدم خطيب يوم الجمعة في القناة الفضائية الأولى بمناسبة المولد النبوي بشطر من الشعر يقول: " دع ما ادعته النصارى في نبيهم"! في الوقت الذي كان فيه الكهنة يجوبون الشوارع ويوزعون الحلوى!! ولم يكن ذلك الفكر المناوئ للوحدة الوطنية قاصرا على بعضنا، فقد كتب أحد الأقباط في فيس بوك تعليقا على توزيع الحلوى : " كفى انبطاحا"، أي أن ذلك السلوك ينتقص من قيمة الأقباط، بينما لا ينتقص من قيمة الجميع سوى عدم الحرص على الوحدة الوطنية، ويرفع من قدر الجميع التعبير بكل الوسائل عن المحبة التي تجمعنا والوطن الذي لا وطن لنا سواه، ومن الضروري أن تقوم المدارس بدورها في ذلك الإطار، وقد طالبت و لا أزال بكتاب موحد للتلاميذ الأقباط والمسلمين بعنوان " القيم الدينية المشتركة" التي تجمع تلك القيم الراسخة : لا تقتل، لا تسرق، لا تزني، قم برعاية الوالدين، لكي يتوطد الوجدان المصري الجمعي.
وفي كل الأحوال فقد فرحت كل الفرح بمشهد الكهنة في الشوارع، يقدمون الحلوى والمحبة للآخرين، وزادت ثقتي في وطني، ومستقبله، وفي أن ما سطرته الدماء لا يمحوه الماء.. ولن يزعزع البعض ما سجلته الوطنية المصرية في تاريخها العريق، وبهذا التاريخ سنمضي إلى الأمام.