بقلم: أندرو اشعياء
يا ابني، إن الجهل بما يدور في المجمع، وما يتناقله الإخوة من أخبار الأشخاص والأحداث، ليس نقصًا في الفطنة، بل هو كمالٌ في الطهارة، وسموٌ في النسك، لا يبلغه إلا من نقّى قلبه حتى صار مرآةً لله وحده. الراهب الحقيقي لا يعرف من جاء ومن مضى، من سقط أو نهض، لأن قلبه مشغول بمن هو فوق الجميع، وسرّ حركته لا ينبع من الخارج، بل من السكون العميق الذي يسكن فيه الله. إن أبسط الإخوة، الذي لا يُجيد الحديث ولا يحفظ سوى اسمه واسم يسوع، قد يكون عند الله أعظم من كل ناطق بالحكمة، إن كان قلبه ساكنًا غير منشغلٍ بأحد.
فطوبى لذاك الراهب الذي مرّ في وسط المجمع، ولم يحمل في قلبه صورة أحد، سوى صورة المصلوب. لم تُثِره الكلمات، ولا أثقلته الأخبار، لأن ذاته قد اختفت في النعمة، وما عاد فيه موضعٌ لفضول أو انشغال. تراه يبتسم في وجه الجميع، لكنه لا يلتصق بأحد، يُلقي السلام كعابرٍ في الأرض، لأن غربته قد صارت طبيعة لا تكلُّفًا، وسكوته صار لغةً أعمق من كل قول. هذا هو الجهل النوراني: أن ينسى الراهب الأسماء، ليحفظ اسمه في سفر الحياة.
يا ابني، إن الراهبُ لا يُطلّ من شرفات الفضول، بل يُوصد نوافذ الحواس كي ينفتح قلبه على النور الحقيقي. حين ترى أخاك لا يدري من جاء ومن مضى، من ترهّب ومن عاد، من قال ومن سكت، فاعلم أنه ثابتٌ كجذع زيتونة لا تهمّه الرياح، لأنه قد استقرّ في حضن الله، ولم يعُد له مأوى في ضجيج الناس.
يا ولدي، لما دخلتُ الدير شابًا، كنتُ مثلك مشتعلاً شغفًا، ألتقط الأخبار كما تلتقط الطيور الحَبّ، أبحث عن القريب من قلبي، وأتجنّب من لم يُريحني حديثه، وأحسب أن هذا هو الحبّ، وهذا هو التمييز. لكن مع السنين، أدّبني الرب، وسحبني شيئًا فشيئًا من فوضى المعرفة الزائدة، حتى وجدت راحتي الحقيقية في الجهل المبارك. كنت أمرّ بجانب أخٍ لم أعد أعرف حتى اسمه، ولا يشغلني إن كان ما يزال هنا أو انتقل، وكلما خفّت معرفتي بالأشخاص، زادت شركتي مع الله. تعلّمت أن السلام لا يأتي من كثرة الوجوه، بل من انطواء القلب في الحضرة الإلهية.
أذكر مرة أن راهبًا شيخًا قال لي: "يا ابني، احذر أن تمتلئ رأسك بالأسماء، فتُفرغ قلبك من اسم يسوع." حينها لم أفهم، لكن بعد حين، وجدت أن أكثر لحظات النعمة التي زارتني، كانت عندما كنت لا أعلم شيئًا عن أحد..