القمص يوحنا نصيف

توجَد آية جميلة في القطعة الرابعة عشرة من المزمور الكبير في سِفر المزامير، والذي نصلِّي به في صلاة نصف الليل.. هذه الآية تقول:
  "نفسي في يديك كلّ حين، وناموسك لم أنسَ" (مز119: 109)
 
 هذه الآية تحمل لنا الكثير من التعزيات والمعاني الروحيّة العميقة، أحاول في هذا المقال أن أتأمّل في بعضها:
1- مكان الرّاحة الحقيقي لنفوسنا هو في يديّ الله.. فهو الذي فتح أحضانه لنا على الصليب، ودعانا قائلاً: "تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين، والثّقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت11: 28).. ونحن بدورنا نقول له: ليس لنا معين في شدائدنا وضيقاتنا سواك.
 
 2- نفوسنا هي أغلى ما نملك.. وعندما نضعها بين يديّ الله، فإنّها تكون في يدٍ أمينة، لأن الله هو الوحيد القادر على حمايتنا من كلّ الأخطار.. ولن يستطيع أحدٌ أبدًا أن يخطف خرافه من بين يديه (يو10: 28).
 
 ما أجمل الصلاة التي يرفعها الكاهن في نهاية القدّاس الكيرلّسي بعد التناول من الأسرار المقدّسة والاتّحاد بالمسيح، فهو يخاطب الله قائلاً:
  "أنت الذي وضعنا حياتنا عندك يارب.. احفظنا في كلّ موضع نحضر فيه. والخشوع الذي صار لنا بالصلاة وطِيب القلب بهذه الحياة المستقيمة احفظهما لنا غير مسروقَين".
 
 3- عندما نلجأ إلى الله ونسلِّم نفوسنا بين يديه، فإنّه يمسح دموعنا، ويداوي جراحاتنا.. وفي أحضانه نتمتّع بالسلام والراحة والأمان، وبكلّ الدفْء والحنان.. فنستعيد قوّتنا وتتجدّد حياتنا.
 
4- يد الله قويّة ومُقتدِرة في عملها.. ومَن يُسلِّم نفسه لها فهي تستطيع أن تُغَيِّره إلى أفضل.. تستطيع أن تنقِّيه من الشوائب والعيوب.. وتستطيع أن تُشَكِّلَه فيصير مُشابهًا لصورة المسيح في البرّ والقداسة!
 
 5- عندما نُستودِع نفوسنا بين يديّ الله، فإنّنا نسلِّمه المسؤوليّة لكي يقود حياتنا، ويدبِّر كلّ أمورنا.. ونحن نَعْلَم أنّ الله عِنده خِطّة جميلة لخلاصنا، ولديه تدبير عظيم ومُبارَك لحياة كلّ إنسان يُسلِّم إليه قيادة حياته بصِدق، ويُخضِع كلّ مشيئته له.. كما أنّنا نثق أنّه هو ضابط الكلّ، وأنّ يده هي التي تدير كلّ الأمور في هذا الكون.. فعندما نضع نفوسنا في يديه فهو سيرتِّب كلّ ما فيه الخير لنا.
 
 6- في تسليم نفوسنا بين يديّ الله نضع نهايةً للهموم والقلق.. فلا نخاف أو نقلق على المُستقبَل، أو نحمل همّ الغد.. بل ترتاح نفوسنا من كلّ هذا، ونحيا في أمانٍ تامّ.. ويصير شغلنا الشّاغل فقط، بحسب الآية، هو اللهج في ناموس الرب، والتغَذِّي بكلامه المُحيي، والارتواء بتسبيح اسمه على الدوام..
 
7- في القدّاس الإلهي نَصِف يديّ الله فنقول: "أخذ خبزًا على يديه الطاهرتين اللتين بلا عيبٍ ولا دنسٍ الطوباويتين المُحييتين".. فيَدُ الله الطاهرة عندما نسلِّم نفوسنا لها تطهِّرنا وتقدِّسنا، بينما مَن يضع نفسه في أيدي ملوّثة سيتلوّث بها.. وأيضًا يد الله المُحيِيَة تستطيع أن تهبنا حياة أبديّة فلا نهلك إلى الأبد (يو10: 28).. هي أيضًا تُحيي رجاءً في قلوبنا، وضميرًا صالحًا في نفوسنا.. تُحيي في أعماقنا محبّة الله والغيرة على خدمته ونَشر ملكوته.. تُحيي في داخلنا ما قد تلف أو مات بالخطيّة، وتُجدّد حياتنا..
 
ما أجمل أن نضع حياتنا عند الله، فتكون نفوسنا بين يديه كلّ حين...!