محرر الأقباط متحدون
"إنَّ عطش يسوع على الصليب هو عطشنا نحن أيضًا. إنه صرخة الإنسانية الجريحة التي تبحث عن الماء الحي. وهذا العطش لا يبعدنا عن الله، بل يوحدنا به. وإذا تجرأنا على الاعتراف به، يمكننا أن نكتشف أن ضعفنا أيضًا هو جسر نحو السماء" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في مقابلته العامة مع المؤمنين
أجرى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول في قلب رواية آلام المسيح، في اللحظة الأكثر إشراقًا وفي الوقت عينه الأكثر ظلمة في حياة يسوع، يسلمنا إنجيل يوحنا كلمتين تختزلان سرًّا عظيمًا: "أنا عطشان"، وبعدها مباشرة: " تم كل شيء". كلمات أخيرة، لكنها محمَّلة بحياة كاملة، تكشف معنى حياة ابن الله بأسرها. على الصليب، لا يظهر يسوع كبطل منتصر، وإنما كمتسوّل للحب. لا يعلن، ولا يدين، ولا يدافع عن نفسه. بل يطلب بتواضع ما لا يستطيع أن يمنحه لنفسه بأي شكل من الأشكال.
تابع الأب الاقدس يقول إنَّ عطش المسيح المصلوب ليس مجرد حاجة جسدية لجسمٍ مُنهَك. إنه أيضًا، وبشكل خاص، تعبير عن رغبة عميقة: رغبة في الحب، في العلاقة، وفي الشركة. إنه صرخة صامتة لإله إذ أراد أن يشترك في جميع جوانب بشريّتنا، سمح لهذا العطش بأن يخترقه. إله لا يخجل من أن يتسوّل رشفة ماء، لأنه في هذا الفعل يقول لنا إنَّ الحب، لكي يكون حقيقيًا، عليه أن يتعلم أيضًا أن يطلب، لا أن يعطي فقط.
أضاف الحبر الأعظم يقول قال يسوع: "أنا عطشان"، وبذلك أظهر إنسانيته وإنسانيتنا أيضًا. إذ لا أحد منا يستطيع أن يكتفي بنفسه. ولا أحد يستطيع أن يخلُص وحده. إنَّ الحياة "تتمُّ" ليس عندما نكون أقوياء، بل عندما نتعلم أن ننال. وفي تلك اللحظة، بعد أن نال من أيدي غريبة إسفنجة مبللة بالخل، أعلن يسوع: " تم كل شيء". لقد أصبح الحب معوزًا، ولذلك فقد تمَّم عمله.
تابع الأب الاقدس يقول هذا هو التناقض المسيحي: إنَّ الله لا يخلّص من خلال فعل كل شيء بنفسه، وإنما بالقبول والسماح لعمله بأن يتحقق. كما إنّه لا يخلِّص بالانتصار على الشر بالقوة، وإنما بقبول ضعف الحب إلى أقصى حد. على الصليب، يعلمنا يسوع أن الإنسان لا يُحقق ذاته بالسلطة، بل بالانفتاح الواثق تجاه الآخر، حتى ولو كان عدوَّنا. فالخلاص لا يكمن في الاستقلالية، بل في الاعتراف بتواضع بالحاجة وبالتعبير عنها بحرية.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ اكتمال إنسانيتنا في مُخطَّط الله ليس فعل قوة، بل هو فعل ثقة. ويسوع لا يُخلِّص بمفاجأة، بل بطلب شيء لا يستطيع أن يمنحه لنفسه. وهنا يُفتح باب على الرجاء الحقيقي: إذا كان ابن الله نفسه قد اختار ألا يكتفي بذاته، فإن عطشنا نحن أيضًا — للحب، والمعنى والعدالة — ليس علامة فشل، بل علامة حقيقة.
تابع الأب الاقدس يقول هذه الحقيقة، التي تبدو بسيطة جدًا في الظاهر، هي صعبة القبول. نحن نعيش في زمن يكرِّم الاكتفاء الذاتي والكفاءة والإنجاز. ومع ذلك، يظهر لنا الإنجيل أن مقياس إنسانيتنا لا يُقاس بما نحققه، وإنما بقدرتنا على السماح للآخرين بأن يُحبُّوننا، وإذا لزم الأمر بأن يساعدوننا أيضًا.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ يسوع يخلصنا ويُظهر لنا أن طلب الحاجة ليس عيبًا، بل تحريرًا. إنه الدرب للخروج من خفاء الخطيئة، لكي ندخل مجدّدًا في فُسحة الشركة. منذ البداية، ولدت الخطيئة شعورًا بالخجل. لكن المغفرة، الحقيقية، تولد عندما نتمكن من أن نواجه عوَزنا بدون أن نخاف من الرفض.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ عطش يسوع على الصليب هو عطشنا نحن أيضًا. إنه صرخة الإنسانية الجريحة التي تبحث عن الماء الحي. وهذا العطش لا يبعدنا عن الله، بل يوحدنا به. وإذا تجرأنا على الاعتراف به، يمكننا أن نكتشف أن ضعفنا أيضًا هو جسر نحو السماء. ففي الطلب — لا في الامتلاك — تُفتح لنا درب الحرية لأننا نتوقف عن الادعاء بأننا نكفي أنفسنا.
تابع الأب الاقدس يقول في الأخوّة، وفي الحياة البسيطة، وفي فن السؤال بلا خجل والعطاء بلا حساب، يكمن فرح لا يعرفه العالم. فرح يعيدنا إلى حقيقة وجودنا الأصلية: نحن مخلوقات خُلقت لكي نمنح الحب ونناله.
وختم البابا لاوُن الرابع عشر تعليمه الأسبوعي بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في عطش المسيح يمكننا أن نرى عطشنا نحن جميعًا. ونتعلم أنه لا شيء أكثر إنسانية، ولا شيء أكثر ألوهة، من القدرة على أن نقول: أنا بحاجة لكذا. لا نخشَينَّ من السؤال، لاسيما حين يبدو لنا أننا لا نستحقه. ولا نخجلَنَّ من مد اليد. ففي هذا الفعل المتواضع يختبئ الخلاص.