محرر الأقباط متحدون
استقبال، استدامة، ومثال عن الاقتصاد الدائري: هذه هي السمات التي تميّز المساحة الشاسعة البالغة ٥٥ هكتارًا التي سيفتتحها رسميًا البابا لاوُن الرابع عشر يوم الجمعة ٥ أيلول سبتمبر. واقعٌ أراده البابا فرنسيس ليُجسِّد عمليًا المبادئ الواردة في الرسالة العامة "كُن مُسبَّحًا".

وُلد المشروع كبيرًا: هكذا يمكن وصف قرية "كُن مُسبَّحًا" في كاستل غاندولفو، التي سيفتتحها يوم الجمعة البابا لاوُن الرابع عشر. واقع نشأ منذ بدايته بطموح كبير في مبادئه وأهدافه، وأبرزها أن يكون مثالًا فاضلًا للاقتصاد الدائري، ونموذجًا للدول والأبرشيات والشركات الكبرى. لأن بناء جماعة، وبناؤها بشكل سليم، مع الجمع بين البحث، والتنشئة، والعمل، والحياة اليومية، هو أمر ممكن.

تضم قرية "كُن مُسبَّحًا" اليوم ٥٥ هكتارًا من الأراضي التي كانت سابقًا ضمن ممتلكات "القصور البابوية". حوالي ٣٠ هكتارًا منها مخصّصة للزراعة، في إطار فريد من نوعه، هو إطار الفيلا الرومانية القديمة للإمبراطور دوميتيان، حيث الجمال الذي لا يُضاهى والآثار التاريخية-الأثرية ذات القيمة الكبيرة (ومن بينها، إلى جانب الحدائق الإيطالية الرائعة، نموذج نادر لممشى مغطى من الحقبة الرومانية يمتد نحو ١٥٠ مترًا). في هذا الفضاء المعلّق كالحلم بين البحيرة والبحر المتلألئ بهدوء في الأسفل، نشأ نظام متكامل يتكون من جهة من مركز التعليم العالي "كُن مُسبَّحًا"، وهو الركيزة التربوية للمشروع، ومن جهة أخرى من النظام الزراعي الإنتاجي حيث تُطبّق مبادئ علم الإيكولوجيا المتكاملة بصورة عملية. سيتلقى التنشئة في القرية، عندما يعمل المشروع بكامل طاقته، ما بين ٢٠٠٠ و٣٠٠٠ طالب سنويًا قادمين من مختلف أنحاء العالم بمساعدة الأبرشيات. بعض هؤلاء الطلاب، ومن ضمنهم نسبة من ذوي الإعاقة، سيُشركون في مطعم قيد الإنشاء حاليًا بفضل شراكة مع سلسلة أمريكية كبيرة، فيما سيعود آخرون إلى بلدانهم ليستثمروا هناك ما اكتسبوه من معارف ومهارات.

سيتمُّ الجانب العملي من التنشئة في أراضي القرية (التي يُخصص معظمها لكروم العنب البيوديناميكيَّة، بالتعاون العلمي مع جامعة أوديني) وجزئيًا في الدفيئة الكبيرة الحديثة التي تعمل بالطاقة الشمسية، في انتظار إدماج نظام الزراعة-الفوتوفولطية الذي يجمع بين الزراعة وإنتاج الطاقة على الأرض نفسها. كما أن نظام ريّ المحاصيل يتوافق بدوره مع أحدث متطلبات الاستدامة، بحيث يخفّف الضغط قدر الإمكان عن بحيرة ألبانو القريبة، وسيتمكّن من إنتاج ١٢٠٠ متر مكعب من أصل ١٥٠٠ متر مكعب التي هي حاجة المنشأة. جميع المرافق والقرية ستكون مفتوحة للزيارة، مع توقع استقبال ٢٥٠ ألف زائر سنويًا. سيدفع الزوار تذكرة دخول، لكن من يمر بضائقة اقتصادية سيتمكن من الدخول مجانًا.

أما في مركز التعليم العالي فسيتمُّ استقبال طلاب من جميع الأعمار، بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى الجامعيين والخريجين. وليس هذا فحسب، بل سيُستضاف أيضًا الرؤساء التنفيذيون للشركات الكبرى لجلسات تدريبية. وليس من قبيل الصدفة أن يحضر يوم الجمعة، في مناسبة زيارة البابا، وفد صغير من كبار المدراء برئاسة بول بولمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Unilever وأحد أبرز الأمثلة العالمية على القيادة الاقتصادية الملتزمة في مجال الاستدامة. لكن الذين سيستقبلون الأب الأقدس أيضًا، وبالدرجة الأولى، هم عائلات العاملين في القرية، وعددهم حاليًا ٣٩، بينهم عدد كبير من البستانيين، إلى جانب الحيوانات التي تملأ الحقول بهجة. واعتبارًا من يوم الجمعة، ستعود أيضًا الخيول الأندلسية التي أُهديت خصيصًا للبابا لاوُن، الذي كان، كما هو معروف، يستخدم في بيرو حصانًا صغيرًا للتنقل، رمزًا للحياة البسيطة عندما يُعاد اكتشاف أصالتها.