د. ماجد عزت إسرائيل 
المكر مصطلح لغوي وأخلاقي يُشير إلى الخداع المدبَّر في الخفاء بقصد الغدر والضرر.فأصل الكلمة(مَكْرٌ) من الجذر الثلاثي (مكر)، وتدل على الحيلة الملتوية التي تحمل في ظاهرها السلام بينما تُخفي في باطنها الشر. وقد وصف العرب المكر بأنه أدهى من الكيد، لأن الكيد قد يُستخدم في الخير أو الشر، أما المكر فهو دومًا خديعة مذمومة. وفي الكتاب المقدس، يتخذ "المكر" بُعدًا أعمق، إذ يرتبط بالدهاء الشيطاني الذي يستخدم الكذب والخداع لإهلاك البسطاء، فيظهر الماكر بلسان ناعم لكن قلبه ممتلئ شرًا (إش 32: 7، دا 8: 25، 1 بط 2: 1).

 والمكر في الكتاب المقدس يكشف عن الخداع كأداة شريرة تهدف لإسقاط الإنسان. فمنذ البداية، يظهر المكر في الحية التي وُصفت بأنها "أحيل (أمكر) جميع حيوانات البرية" عندما خدعت حواء وأسقطتها في الخطية، حيث قيل: "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»" (تك 3: 1).وفي سفر الأمثال يُربط المكر بالاعوجاج والكذب، إذ يقول: "اَلرَّجُلُ اللَّئِيمُ، الرَّجُلُ الأَثِيمُ يَسْعَى بِاعْوِجَاجِ الْفَمِ. يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. يَقُولُ بِرِجْلِهِ. يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ. فِي قَلْبِهِ أَكَاذِيبُ. يَخْتَرِعُ الشَّرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يَزْرَعُ خُصُومَاتٍ." (أم 6: 12-14). وهنا يوضح النص أن المكر ليس مجرد فكر خفي، بل فعل عملي يزرع الانقسام والخصام.أما المزامير فتصف المكر كخطة دائمة للأعداء ضد الأبرار: "الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ. يَجْتَمِعُونَ، يَخْتَفُونَ، يُلاَحِظُونَ خُطُواتِي عِنْدَمَا تَرَصَّدُوا نَفْسِي." (مز 56: 5-6). صورة قوية تكشف كيف يترصد الشرير البار بخداع وتدبير خفي.ويؤكد إشعياء النبي أن الماكر لا ينتج إلا الشر والخراب: "وَالْمَاكِرُ آلاَتُهُ رَدِيئَةٌ. هُوَ يَتَآمَرُ بِالْخَبَائِثِ لِيُهْلِكَ الْبَائِسِينَ بِأَقْوَالِ الْكَذِبِ، حَتَّى فِي تَكَلُّمِ الْمِسْكِينِ بِالْحَقِّ." (إش 32: 7). وهكذا يقدم الكتاب المقدس المكر كقوة تخريبية تعادي الحق، وتستعمل الكذب والخداع لإهلاك النفوس.

المكر في العهد الجديد يرتبط بمعانٍ مثل الخبث والرياء والحيلة والخداع، وهو يكشف فساد القلب البشري البعيد عن الله. ففي إنجيل مرقس يؤكّد السيد المسيح أن الشر يخرج من الداخل، قائلاً:«لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ.» (مر 7: 21–22).وهنا يظهر المكر كثمرة قلب نجس لا يعرف مخافة الله.وفي رسالته إلى رومية وصف بولس الرسول الخطاة بأنهم:« مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا» (رو 1: 29)، رابطًا المكر مع سلسلة من الخطايا التي تدمّر المجتمع.أما في رسالة بطرس الأولى فجاء التحذير صريحًا للمؤمنين:«فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ» (1 بط 2: 1)، ليؤكّد أن حياة المسيحي يجب أن تخلو من كل صور الخداع.ويعيد بولس في رسالته الثانية إلى كورنثوس التذكير بخطر المكر الشيطاني، قائلاً:«وَلَكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هكَذَا تُفْسِدُ أَذْهَانَكُمْ عَنِ الْبَسَاطَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ.» (2 كو 11: 3).وهكذا يظهر المكر في العهد الجديد كقوة مدمّرة للبساطة الروحية، ورسالة الكتاب واضحة: أن نطرح كل مكر ونعيش بالحق والشفافية في المسيح يسوع.
   
والمكر في الكتاب المقدس يكشف عن قلب غير مستقيم يسلك في الشر والخداع، وهو عكس دعوة المسيح للبساطة والنقاوة.لذلك يحذّرنا الكتاب من صحبة الماكرين الذين يزرعون الخصام ويفسدون القلوب.وعلى النقيض، يضع الرب أمامنا النموذج الإلهي في قوله: «كُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ» (مت 10: 16)، فيدعونا إلى حكمة نقية لا تعرف الغش، وبساطة صافية لا تعرف الرياء. ومن هنا، فإن المؤمن مدعو أن يطرح عنه كل مكر وخبث، وأن يسلك في الحق والمحبة، ليكون شاهدًا حيًا للمسيح، يعكس صورته أمام العالم لمجد اسمه القدوس.