نادر شكري
لم يكن أحد يتوقع أن يتحول تصرف طفولي بسيط إلى قضية رأي عام. الطفلة هايدي، التي اشتهرت مؤخرًا بـ"صاحبة كيس الشيبسي"، جذبت قلوب الناس ببراءتها حينما أقدمت على مشاركة ما لديها بروح العطاء البسيط. لكن، سرعان ما تبدّل المشهد، وانتقلت القصة من مجرد فعل خير عفوي إلى ظاهرة إعلامية وتجارية أثارت الكثير من الجدل.
من فعل جميل إلى "ترند"
تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الطفلة في البداية بحب كبير، معتبرين أن تصرفها يعكس فطرة الخير والبراءة التي نفتقدها في تفاصيل حياتنا اليومية. غير أن الاهتمام المبالغ فيه، وتداول صورها وفيديوهاتها على نطاق واسع، حوّل القصة إلى ما يشبه "الترند" الذي يُستهلك يوميًا في السوشيال ميديا.
استغلال تجاري وانتقادات شعبية
ما زاد من حدة الجدل هو دخول شركات المأكولات والماركات التجارية على الخط، حيث وجدت في القصة فرصة تسويقية مجانية لتحقيق مكاسب على حساب الطفلة الصغيرة. بدأت العروض تنهال على هايدي، وتحولت قصتها من رمز للبراءة والعطاء إلى أداة للترويج والإعلانات. هذا الاستغلال التجاري أثار استياء قطاعات واسعة من الجمهور، الذين اعتبروا أن القضية خرجت عن إطارها الإنساني إلى سوق للمزايدات والمتاجرة.
وكأنه "أول فعل خير"!
اللافت أن التناول الإعلامي والجماهيري تعامل مع هايدي وكأنها صاحبة أول فعل خير في المجتمع، متجاهلين أن قيم المشاركة والإحسان موجودة يوميًا في صمت ودون كاميرات. هذا التضخيم جعل الكثيرين يشعرون بالانزعاج من طريقة صناعة "النجومية اللحظية"، حيث تُستغل براءة الأطفال لأغراض لا علاقة لها بجوهر الفعل الإنساني.
تقدير للفعل... وانتقاد للمبالغة
لا يختلف أحد على أن ما قامت به الطفلة يستحق التقدير، وأن براءتها حملت رسالة مؤثرة أعادت التذكير بقيمة العطاء البسيط. لكن، في الوقت نفسه، يرى كثيرون أن القضية أخذت أبعادًا مبالغًا فيها، وأنه كان من الأجدر التركيز على تشجيع ثقافة الخير المستمرة بدلاً من تضخيم موقف فردي وتحويله إلى وسيلة للربح التجاري وصناعة "الترند".
قصة هايدي تكشف بوضوح كيف يمكن أن يتحول حدث بسيط إلى قضية رأي عام، بين الإعجاب العفوي والاستغلال المبالغ فيه. وبينما تبقى الطفلة رمزًا للبراءة والفطرة الطيبة، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن نحافظ على نقاء هذه الأفعال بعيدًا عن منطق الاستهلاك الإعلامي والتجاري، ونحو ترسيخ ثقافة الخير في المجتمع بشكل أعمق وأصدق؟