بقلم الأب يسطس الأورشليمى
الزمان: نحو عام 1500 قبل الميلاد..
المكان: جهة الجنوب من برية سيناء، حيث هناك مكاناً فسيحاً تحف به الجبال، ويمتليء بخيام كثيرة، تجاوزت عددها المائتين ألف خيمة، توزعت في الجهات الأربعة، وفي الوسط خيمة فريدة من نوعها تميزت بشكلها الهندسي، وبسورها الأبيض المصنوع من قماش ناصع البياض يُحيط بها من أربعة جهات، ما هذه الخيمة، وما هذه الخيام؟
أنها خيام شعب بأكمله قادم من مصر بلد الفراعنة، مُتجهاً إلى أرض كنعان في رحلة طويلة عبر صحراء سيناء القاحلة تستغرق حوالي40 سنة بعد أن عاشوا في مصر أكثر من أربعمائة سنة، قضوا أغلبها عبيداً عند سادتهم الفراعنة، يأخذون الأوامر منهم حيث أذلوهم بعنف ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية، أنظر (خر14:1؛ 23:2؛ 6:6)..
لكن ما أعظم النعمة التي يتعامل بها الله مع الخاطيء ؟! أنظر الكتاب (1بط10:5)..
وصرخوا فصعد صُراخهم إلى الله من أجل العبودية، فسمع الله أنينهم وتذكّر ميثاقه، ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله، فقال: أنا أخرجكُم من تحت أثقال المصريين وأنقذكُم من عبوديتهم وأخلصكُم بذراع ممدودة وبأحكام عظيمة..
ما هذه الخيمة البيضاء التي في وسط الخيام ؟!!
إنها خيمة الله التي تُسمى: بخيمة الاجتماع مسكن الرب في وسط شعبه فالرب أراد أن يقترب من الشعب الذي فداه من العبودية، ويشعرهم كما لو كان واحداً منهم، والكلمة (الرب يسوع) صار جسداً وحلّ بيننا (يو14:1) وكلمة: حلّ في الأصل اليوناني تعني نصب خيمة، فخيمة الاجتماع هي ظل للرب يسوع، تتحدث عنه في تجسده، وتُشير إلى شخصيته وخلاصه..
تأمل هذا التشابه بين الظل والحقيقة، بين الرمز والمرموز إليه..
في العهد القديم حدّد الله الهدف من خيمة الاجتماع، لأسكن في وسطهم أما في العهد الجديد، نرى الرب يسوع يتجسد ليأتي إلى أرضنا ويسكن في وسطنا، وصار له جسد حقيقي كأجسادنا، يجوع ويعطش، يحزن ويتألم يموت ويُدفن، مُجرّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية وحدها..
وهكذا بسكناه في هيكل جسده، أقترب وتلامس عملياً مع ظروفنا، أختبر وتألم بأقسى الآلام، حتى يقدر أن يُعين المُجرّبين (عب18:2)..
الرب يسوع يشعُر بك، ويُقدّر متاعبك، فهل تلجأ إليه ؟! فهو تنازل ونزل من سمائه إلى أرضي ليُخلصني من الهلاك الأبدي، ليرفعني إلى عرش مجده في السماء، ويقول لنا: كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تُريدوا، والله يُريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبلون، كما قال: هاأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي، أنظر في الكتاب المقدس (مت37:23؛ 1تي4:2؛ رؤ20:3)..
ولأن الخيمة تتحدث عن تجسد الرب وسكناه على الأرض في وسطنا لذلك ليس غريباً أن تجد رقمي: 4،3 من أرقامها البارزة:
رقم3 يرتبط بالرب ويُشير إليه، ورقم4 يتحدث عن الأرض بفصولها وتكرار الرقمين4،3 كثيراً في تفاصيل الخيمة يتفق تماماً مع كونها تتحدث عن سكنى الرب في الجسد على أرضنا، أنظر (1تي16:3)..
ورقم 3 هو رقم الكمال، فلا يمكن تكوين جسم بدون ثلاثة أبعاد وهي:
الطول، والعرض، والارتفاع, ولا يمكن تحديد مكان من غير ثلاثة محاور، والزمن لا يكتمل إلاّ بأقسامه الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل والمادة: الصلبة والسائلة والغازية، والذرة تتكون من: الإلكترون والبروتون والنيترون، كما خلق الإنسان ثلاثياً: الروح والنفس والجسد (1تس23:5)..
والرب يسوع قام في اليوم الثالث مُظهراً بقيامته كمال فدائه لنا، وهو: ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، وللرب ثلاث وظائف تُظهر كمال عمله لنا، فهو نبيّ، وكاهن، وملك، وهو الراعي الكامل الصالح في موته، والراعي العظيم في قيامته، ورئيس الرعاة في مجيئه الثاني، أنظر (مت19:28؛ يو11:10؛ أع22:3؛ عب20:3؛ 6:5؛ 1بط4:5)..
وفي خيمة الاجتماع استخدم ثلاثة معادن: الذهب، الفضة، والنحاس وتنقسم إلى: الدار الخارجية، والقدس، وقدس الأقداس، وكان موقع الخيمة وسط خيام الشعب، والوسط هو دائماً المكان الذي يختاره الرب، حيث قال: حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم، وقد ظهر لتلاميذه في يوم القيامة، وفي الأبدية سنراه في وسط العرش، أنظر وتأمل في الكتاب المقدس (مت20:18؛ يو18:19؛ 19:20؛ رؤ6:5)..
هل تُرحب أيها الأخ المحبُوب أن يكُون الرب دائماً في الوسط، أي في مركز حياتك، فترتبط كل تصرفاتك به، وتستمد قيمتها، وأهميتها بمقدار ارتباطها بشخصه ؟! هل يكون هو الكل في الكل لك ؟! أرجو ذلك ..
ونلاحظ أن: بالرغم أن خيمة الاجتماع ضخمة، إذ يبلغ طولها 135 م إلاّ أنه ليس لها سوى باب وحيد جميل وسط سور ناصع البياض، وكل من السور، والباب يتكلّم عن شيء مختلف عن الآخر، فالسور حاجز يقول: إن الإنسان لا يقدر أن يدخل لأن قلبه نجيس، والباب المفتوح يُعلن أن شهوة قلب الله نحو كل إنسان، فيقول: مَن يُقبل إليّ لا أخرجه خارجاً، لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويُخلّص ما قد هلك، والسور يُؤكد أنه لا دخول إلاّ من الباب، والرب هو: الباب الذي يُشير إليه الباب الوحيد الخارجي لخيمة الاجتماع، حيث قال: أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلُص ويدخل ويخرج ويجد مرعى، أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي، أنظر (لو10:19؛ يو9:10؛ 6:14؛ أع12:4)..
كيف ندخل السماء ونحن على الأرض، أو يسكن الله مع بني البشر؟! نحن أولاده وهو أبونا، والآب اشتاق أن يمكث مع أولاده، لكن هناك حاجز يفصل (الخطية)، لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة ؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمُؤمن مع غير المُؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟! أنظر الكتاب (2كو14:6-16)..