ماجد سوس
لا يختلف اثنان على أن أزمة المرور في مصر أصبحت من أكبر التحديات اليومية التي تمس حياة المواطن، حيث تضيع ساعات طويلة من أعمار الناس في الزحام، وترتفع معدلات الحوادث بشكل مخيف. ورغم النهضة الكبيرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة في مجال البنية التحتية وبناء الطرق والكباري الحديثة، إلا أن النتائج على أرض الواقع لم تصل بعد إلى المستوى المأمول.
والسبب في ذلك أن الطرق مهما اتسعت، ستظل غير كافية ما لم يصاحبها قانون صارم وثقافة مرورية حقيقية تحكم سلوك الأفراد والمجتمع.
لقد عدت مؤخرًا من رحلتي الأخيرة إلى مصر، وشاهدت بعيني ازدياد الحوادث بصورة مؤلمة، رغم ما تحقق من إنجازات في بناء شبكات الطرق. ومن هنا شعرت بضرورة إعادة طرح رؤيتي التي قدمتها سابقًا، لكن لم تلقَ الاهتمام الكافي، لعلها تكون صرخة لإحداث تغيير حقيقي.
المرحلة الأولى: البداية من المدن الجديدة. لا بد أن تكون نقطة الانطلاق من المدن الجديدة، حيث يمكن تطبيق قانون مرور رادع وحديث يوازي أفضل القوانين في العالم، ويطبق بحزم على الجميع دون استثناء. ويتم توزيع نسخة مبسطة من القانون برسوم توضيحية على جميع السيارات عند دخول هذه المدن. وفي الوقت نفسه، تقوم وزارة التربية والتعليم بإدخال مادة دراسية من المرحلة الابتدائية لتعليم الأطفال قواعد المرور والمشاة، بأسلوب ممتع يعتمد على الرسومات والقصص المصورة، بحيث ينشأ جيل جديد يحترم القواعد
المرورية كما يحترم القراءة والكتابة.
المرحلة الثانية: تعميم التجربة على الشوارع الرئيسية. بعد نجاح التجربة في المدن الجديدة، تبدأ المرحلة الثانية بتطبيق القانون في الشوارع الرئيسية داخل المدن الكبرى. على أن يتم إلزام السائقين بالسير في الحارة المخصصة، وعدم تغييرها إلا باستخدام الإشارات المقررة. ويترافق ذلك مع إطلاق حملات إعلانية قوية عبر التلفزيون والإذاعة ومنصات التواصل الاجتماعي، لشرح طرق استخدام الطرق الحديثة وأهمية الالتزام بها.
ولكي ينجح القانون، يجب إعطاء رجال المرور الضبطية القضائية والحق في التعامل الفوري مع المخالفين، سواء بالقبض أو بتحرير محاضر رادعة. كما يجب النص صراحة في القانون على طريقة التعامل مع رجل الشرطة: لا يحق للسائق النزول من السيارة إلا بأمر مباشر من الشرطي. عند تشغيل سيارة الشرطة للسرينة خلفك، يتوجب التوقف فورًا في مكان آمن إلى يمين الطريق.
الأخطر من كل ما سبق هو الاستثناءات التي تهدم هيبة القانون. لذلك يجب أن ينص القانون بوضوح على أنه لا يجوز لأي مسؤول مهما كان منصبه، سواء من رجال الدولة، أو الدبلوماسيين أو القضاء أو النيابة أو الجيش أو الشرطة، مخالفة القواعد المرورية. وفي حال حدوث ذلك، يتم إخطار قياداته بشكل رسمي كما يحدث مع "التفتيش القضائي" او المجلس الأعلى للشرطة أو غير ذلك من آليات الرقابة.
إذا أردنا أن نصنع من القاهرة أو أي مدينة مصرية أخرى نموذجًا يشبه دبي أو كاليفورنيا في انضباط المرور، فلا بد أن نبدأ بخطوات عملية، تجمع بين القانون الصارم، التوعية المستمرة، وعدم الاستثناءات. عندها فقط سنرى شوارع آمنة، وطرقات منظمة، وأرواحًا تُنقذ كل يوم.