القمص يوحنا نصيف
* دخل إحدى السفينتين التي لسمعان:
    + المسيح هو دائمًا الذي يبدأ الحركة نحونا، وهو في غالب الأحيان يبدو كأنّه محتاج إلينا؛ مثلما رأيناه عطشانًا أمام السامريّة، وهو مُزمِعٌ أن يروي عطشها، ويفيض فيها ينابيع حياة. وكما احتاج إلى الخمس الخبزات، وهو مُزمِعٌ أن يُشبِع الخمسة آلاف رجُل! هكذا احتاج الربّ لسفينة سمعان، وهو مُزمِع أن يجعله صيّادًا يصطاد الناس.

    + يبدو واضحًا أنّ سمعان بطرس كان مُقَدِّمًا سفينته للرب بكلّ الرضا والسرور، وإن كان لم يُدرِك القصد الإلهي لأوّل وهلة. ولكن ليس مطلوبًا مِنّا في مِثل هذه الحالة سوى تقديم إمكانيّاتنا البسيطة، وتسليمها في يد الربّ.

    + هُنا بعد أن تَرضى النفس أن يدخل الربّ يسوع إلى سفينتها، يُوَجِّه الربّ دعوته للنفس أن تدخل إلى العمق. إذ تكون النفس قد تعبت ليلَها دون أن تأخُذ شيئًا.

    + إنّها دعوة للذين تعبوا في الصلاة، وانتهوا من الصلاة دون أن يأخذوا شيئًا. ادخُل إلى العمق وقُلْ: "مِنَ الأعماق صرختُ إليك يارب". ادخل إلى العمق في الصلاة بالانسحاق والدموع والتذلّل والصوم. انزِل إلى الأعماق في كلّ كلمة، وكلّ طلبة. تَعَمَّق في مواعيد الله وفي روح الصلاة.. كُن عميقًا في خشوعك وفي توبتك.

    + دعوةٌ للذين قضوا حياتهم في السطحيّات، والمظاهر الكاذبة.. ادخُل إلى العمق ولا تنظر إلى العينين، بل إلى القلب. لا تكُن سطحيًّا مثل الفرّيسيّين، الذين كانوا يهتمّون بالشكل الخارجي، وهم في أعماقهم مملوؤون خبثًا وشرًّا. نَقِّ أوّلاً داخل الكأس، حينئذٍ يتطهّر خارجها.

* على كلمتك أُلقي الشبَكة:
    + فرقٌ بين مَن يعمل من ذاته، ومَن يَعمَل على سَنَد كلمة المسيح، بوعد ورجاء وإيمان.. لتَكُن ممارستنا لأعمالنا مسنودة بالكلمة.. إنّنا نعمل لأنّه هو يبارك عملنا، لأنّنا بدونه لا نقدر أن نعمل شيئًا. وإن لم يَبنِ الربّ البيت، فباطلاً يتعب البنّاؤون.

    + حينئذ، إذا صادفنا نجاحًا عظيمًا كصيد السمك، فلا ننسب هذا لمقدرتنا ولا لجهدنا، بل لله الذي يُعطي، ولكلمته القادرة أن تعمل في الضعف. هنا نتعلّم إنكار الذّات وعدم الاعتداد بالإمكانيّات أو المهارات، بل نمجِّد الله في أعمالنا، ونُخبِر بفضائل ذاك الذي تمجَّد في عجزِنا وضعفنا..

* اخرج من سفينتي يارب، فإنّي رجُل خاطئ:
    + الأثر الأوّل والأعظم لعمل الله في حياتنا، والمعجزات التي يصنعها معنا، هو أنّنا نكتشف أنّنا خُطاة.. بعكس ما يصنعه النجاح من غرور، فإنّ أولاد الله يتحوّل نجاحهم إلى كثرة اتّضاع ومسكنة، وإحساس بالخطيّة، واعتراف أمام الله للتوبة..

    + لسنا نحسب أنفسنا أهلاً أن نكون خُدّامًا للمسيح، ولا أن يدخُل سفينتنا، ولا أن يبارك صيدنا.. هذا الشعور صاحَبَ القدّيسين في الكنيسة في كلّ الأجيال.. "لسنا كُفاةً من أنفسنا".. "أنا أصغر جميع الرسل".. "الخُطاة الذين أوّلهم أنا".. "لستُ مُستَحِقًّا أن أُدعَى رسولاً".. "مهما فعلتم كلّ البرّ، قولوا إنّنا عبيد بطّالون".

* صيّاد الناس:
    + هُنا نكتشف قصد المسيح الذي بدأ بدخول سفينة سمعان، ثمّ بصيد السمك.. المسيح يريد سمعان نفسه.. يريد أن يعمل به عملاً عظيمًا.

    + يا سمعان، من الآن أنت رائحة المسيح الزكيّة لجميع الناس.

    + يا سمعان، الكلمة الإلهيّة في فمك صنّارة عقليّة، تصيد بها النفوس بقوّة، وتجذبهم من بحر العالم إلى حظيرة المسيح، وتشهد لعمل نعمة الله.

    + يا سمعان، بَدِّلْ قوّتك الجسديّة التي تزول، لتخدم لا بالجسد بل بالروح، الذي يتجدّد في داخلك يومًا فيومًا، ولا يعرف التعب ولا الملل!

* ترك كلّ شيءٍ وتبعه:
    + الآن لم يَعُد سمعان يرتبك بأمور هذه الحياة، لكي يُرضِي مَن جنَّدَهُ (2تي2: 4). كانت كثرة السمك تُربِك سمعان جدًّا، وتُدخِل إلى نفسه الغرور وشرورًا كثيرة. ولكن الآن كثرة السَّمَك لن تُحَوِّل نظره عن شخص الربّ يسوع.

    + لنراجع أنفسنا، هل تركنا كلّ شيء؟ هل نتبعه، أم مازالت أموالنا وأملاكنا وربمّا وظائفنا، أو للأسف ربّما لعبنا ونزهتنا، أو أقلّ من هذه الأمور، تجذب انتباهنا، وتُربِك عقلنا عن تبعيّة يسوع في الصلاة، أو حضور القدّاسات، أو في البذل، أو حتّى في مجرّد الوجود معه.

    + لا تجعل شيئًا يعوق مسيرتك خلفه، بل اختبِر ما قاله القدّيس أغسطينوس: "وضعتُ قدمَيّ على قمّة هذا العالم، عندما أصبحتُ لا أخاف شيئًا ولا أشتهي شيئًا".

القمص لوقا سيداروس
[ مقتطفات عن كتاب تأمّلات في قراءات آحاد السنة القبطيّة – الأحد الثاني من شهر بابَه – الطبعة الأولى 1981م]
بركة صلوات أبينا الحبيب المتنيّح القمص لوقا سيداروس تكون معنا. آمين.

القمص يوحنا نصيف
26 أغسطس 2025م