الأب يسطس الأورشليمى
هو جزء منفصل عن باقي الهيكل، وهذا الجزء ممسوح ومكرس لحلول الله فيه، فرُمز به للسيدة العذراء، لأنها أصبحت نموذجًا حيًا للطريق الذي يجعلنا شركاء للطبيعة الإلهية، وذلك بانعزالنا عن الخطية والشر، فتصبح حياتنا منعزلة عن شر العالم وملذاته، كما كان قدس الأقداس منعزل عن باقي الهيكل ولكنه جزء من الهيكل كما نحن جزء من العالم.
فننعزل عن العالم وشروره بتقديس القلب وتكريس الحياة كلها لله، ولتمجيد اسمه القدوس. تُدعَى قدس الأقداس، وفيه لوحا العهد والعشر الكلمات هذه التي كتبها أصبع الله، نطلب أن نفوز برحمة بشفاعاتك عند محب البشر.
قسط الذهب والمن المُخفى داخله:
في القطعة الرابعة عشر من ثيؤطوكية الأحد نقول: "كان في القبة قسط ذهبي وكيل مَنٍ مخفى فيه"
وفي القطعة الخامسة عشر نقول: "شبهوا التابوت بالعذراء وذهبه المختار بطهارتها شبهوا القسط الذهبي بالعذراء وكيلة المن بمخلصنا".
وهنا نقول إذا كان القسط الذهبي الذي كان رمزًا للسيدة العذراء نال كرامة هذه مقدارها في العهد القديم بوضع المن فيه. فكم بالعذراء بإعطائها جسدًا للمسيح. قد نالت كرامة لا توصف فهي التي حملت المن الحقيقي الذي "إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 51)، وقدمته لنا، فالذي يأكل منه لا يموت إلى الأبد وتكون له حياة أبدية.
وفي ثيؤطوكية الأحد "أنت هي قسط الذهب النقي المن المخفي في داخله خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء واعطى الحياة، وأنتِ أيضًا يا مريم العذراء حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الأب".
قسط المن: قد قال الرب يسوع عن نفسه" أنا هو خبز الحياة الذي نزل إلى السماء ليس كما أكل أباؤكم المن في البرية وماتوا، هذا هو الخبز الذي نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" ( يو6 : 49 ).
صنع موسى قسطًا ذهبيًّا ووضع فيه كمية من المن الذي كان يأكله الشعب في برية سيناء كشهادة أبدية على عناية الله بشعبه، كان القسط الذهبي يرمز إلى العذراء، والمن الذي بداخله يرمز إلى المسيح خبز الحياة النازل من السماء الذي كل من يأكل منه لا يموت إلى الأبد بل تكون له حياة أبدية.
قبة الشهادة:
وفي ثيوطوكية الأحد تقول عن العذراء “من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التي صنعها موسى النبي على جبل سيناء؟ شبهوك بها يا مريم العذراء القبة الحقيقية التي في داخلها الله"
من ألقاب العذراء مريم في السريانية أي القبة الحيّة، وقد جاء في التفاسير إن قبّة الشهادة تشير إلى العذراء مريم. على أنّنا لا نعثر على هذا التعبير في الترجمات العربية للكتاب المقدس. فمن أين جاء إذاً؟
يستدل البعض من (عد 25: 8) إلى أنّ الخيمة تشبه القبّة، ولذلك فإن قبّة الشهادة هي نفسها خيمة الشهادة، وأخطأ هؤلاء في تفسيرهم، لأنّ القبّة الوارد ذكرها في (عد 25: 8) هي بالأحرى "مخدع" كما وردت في السريانية وفي الترجمة الكاثوليكية على السواء، والصحيح أنّ قبة الشهادة هي تابوت الشهادة نفسه.
التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية:
في ثيؤطوكية الأحد "شبهت القديسة مريم بتابوت العهد المصنوع من الخشب الذي لا يسوس مغشى بالذهب من كل ناحية، وأنتِ يا مريم العذراء متسربلة بمجد اللاهوت من الداخل والخارج"، فالعذراء هي تابوت الله الحقيقي الحاملة المن الحقيقي يسوع المسيح، وتقول ثيؤطوكية الأربعاء "تكلموا بكرامات من أجلك يا مدينة الله لأنك أنتِ مسكن جميع الفرحين "
هذا التابوت كان مصنوعًا من خشب لا يسوس، ومصفح بالذهب من كل ناحية، فهذا الخشب الذي لا يسوس يرمز لطهارة السيدة العذراء، والذهب هو رمز اللاهوت، وهذا يرمز إلى أن كل العطايا السماوية هي ليست من طبعنا الخشبي (الذي يمكن أن يسوس ويفسد)، ولكنها هي هبة سماوية من الذهب الذي يغطي طبيعتنا الفاسدة، وهذا ما قيل في بشارة الملاك: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَلّلُكِ" (لو1: 35)، ومن هنا نستطيع أن نضع أمام أعيننا كل حين أن الطهارة نعمة إلهية مرتبطة بوجود الله معنا كل حين.
نقول في القطعة الخامسة عشر من ثيؤطوكية الأحد: "شبهوا الغطاء بالعذراء وكاروبا المجد يظللان عليها". فهذا التعبير يتقارب لفهم الآية: "قوَّةُ العَلي تُظَللُكِ" (لو1: 35).
فهذا الرمز يبين لنا عمق اهتمام الله بنا، فهو يظللنا برعايته ويسترنا بستر جناحيه، لذلك لا تحرقنا الشمس بالنهار ولا القمر بالليل، "إنَّهُ لا يَنعَسُ ولا يَنامُ حافِظُ إسرائيلَ، الرَّبُّ حافِظُكَ، الرَّبُّ ظِلٌّ لكَ عن يَدِكَ اليُمنَى، لا تضرِبُكَ الشَّمسُ في النَّهارِ، ولا القَمَرُ في اللَّيلِ، الرَّبُّ يَحفَظُكَ مِنْ كُل شَر، يَحفَظُ نَفسَكَ، الرَّبُّ يَحفَظُ خُروجَكَ ودُخولكَ مِنَ الآنَ وإلَى الدَّهرِ" (مز121: 4-8).
تابوت العهد: فكان يحمل عصوين واحدة لموسى وأخرى لهارون، أما العذراء فقد حملت من صلب على عصوين متعارضين ألا وهما خشبتا الصليب (خر25 :16). وتابوت العهد العتيق حوى قسط المن أما العذراء فكانت قسطًا للمن الجديد السماوي الذي لا يموت آكله (يو :38-42).
فتابوت العهد مكث في بيت عوبيد أدوم ثلاث شهور قبل أن يكون في بيت داود النبي والقديسة مريم العذراء الحاملة الرب الإله، مكثت في مدينة اليهودية ثلاث شهور، كان حمل التابوت يبعث الفرحة في الشعب "وكان داود يرقص بكل قوته أمام التابوت"(2صم 6)، وهكذا وصول العذراء بعث في أليصابات الفرح(لو1 :44)
والعذراء مريم هي الغطاء رمز الكنيسة؛ حيث يجلس الله علي عرش رحمته وسط شعبه وهي ممتلئة بالخليقة السماوية وتقول ثيؤطوكية الأحد "كاروبا الذهب مصوران على الغطاء بأجنحتهما كل حين يظللان على موضع الأقداس في القبة الثانية وأنت يا مريم العذراء ألوف ألوف وربوات ربوات يظللان عليك مسبحين خالقهم وهو في بطنك هذا الذي أخذ شبهنا".
إن كلمة السريانية تعني قبّة وصندوق (2 صم 7: 2، شح 103)، وتابوت ولذلك فقبة الشهادة هي تابوت الشهادة نفسه إلى ذلك، فإنّ تابوت الشهادة (خر 25: 22) يرمز إلى العذراء مريم لعدّة أسباب، أولاً: لأنّ التابوت كان يدلّ على جمال العذراء مريم ونقاوتها إذ كان مغشّى بالذهب من داخل وخارج، وعليه إكليل من ذهب حواليه (شح 38، 89)، ثانيَّا: لأن تابوت العهد كان يحتوي على قسط المنّ ولوحي الشريعة وعصا هارون. (عب 9: 4).
لوحا الشريعة: التي كتب عليها كلمة الله والعذراء حملت كلمة الله في أحشائها، هما لوحا العهد وعليهما وصايا الله العشر المكتوبة بإصبع الله في جبل سيناء (خر 25: 16)، أي أنّهما كلمات الله الآب، وهما يرمزان للمسيح كلمة الآب (يو 1: 1، لو 1: 35) الذي حلّ في أحشاء مريم المُشار إليها بالتابوت.