تحل اليوم الجمعة، ذكرى رحيل العالمة المصرية سميرة موسى، رائدة علوم الذرة التي دفعت حياتها ثمنا لإيمانها بأن العلم يجب أن يكون في خدمة العرب والسلام.

 
ولدت سميرة موسى يوم 3 مارس عام 1917، في قرية "سنبو الكبرى" التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، في بيت عرف بالكرم والثقافة والانفتاح، وكان والدها من كبار ملاك الأراضي الزراعية، ونشأت في كنف أسرة كبيرة، حيث كانت لها ست شقيقات وأخوة.
 
بدأت حياتها الدراسية في قريتها، ثم انتقل والدها إلى القاهرة ليفتح فندقا هناك ويوفر لأبنائه فرصة أفضل للتعليم، والتحقت بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ثم بمدرسة بنات الأشراف الثانوية، وهناك تأثرت كثيرا بالأديبة نبوية موسى، إحدى رائدات التعليم في مصر.
 
كانت سميرة موسى منذ طفولتها مولعة بالقراءة، تحفظ الدروس من أول مرة، وتقرأ الجرائد وهي في سن صغيرة، وتعيد كتابة كتب الرياضيات وتوزعها على زميلاتها بالمجان، ثم التحقت بكلية العلوم في جامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن)، رغم اعتراض والدها الذي كان يفضل أن تدخل كلية الآداب.
 
 
وخلال دراستها في الكلية، لفتت أنظار أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة، أول مصري يتولى عمادة الكلية، والذي اهتم بها ودعمها حتى أصبحت أول معيدة في الكلية، رغم اعتراض الإنجليز وقتها.
 
حصلت على الماجستير في موضوع "التواصل الحراري للغازات"، ثم سافرت إلى إنجلترا لتحصل على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، وأنهت رسالتها في 17 شهرا فقط، بعدها سافرت إلى أمريكا لاستكمال أبحاثها العلمية، وشاركت في أبحاث مهمة عن الذرة، ونجحت خلال عملها في التوصل إلى معادلة مهمة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة، مثل النحاس، لصنع قنبلة ذرية منخفضة التكاليف، ما جعلها على قائمة المراقبة.
 
كانت تؤمن بأن الذرة يجب أن تستخدم من أجل السلام، وقالت عبارتها الشهيرة: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين".
 
شاركت في إنشاء هيئة الطاقة الذرية عام 1948، قبل أن تنشأ رسميا، ونظمت مؤتمرا تحت عنوان "الذرة من أجل السلام" في كلية العلوم، دعت فيه كبار العلماء المصريين والعرب، كما كانت عضوة في عدة لجان علمية مهمة، منها لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة، ولجنة الطاقة الذرية التي شكلتها الجامعة، إلى جانب عضويتها في الجمعية المصرية للسلام العالمي، والتي منحتها لقب "مس كوري الشرق".
 
 
رفضت سميرة موسى عروضا عديدة للبقاء في أمريكا، وكتبت لوالدها تقول: "لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا، لكنت أستطيع أن أعمل أشياء كثيرة..هم يموتون من أجل العلم، أما نحن فنعيش به"، لكنها أصرت على العودة، وقالت: "أنا مصرية وسأعود إلى مصر".
 
وفي 15 أغسطس عام 1952، وفي آخر أيام بعثتها إلى أمريكا، وافقت على دعوة لزيارة أحد المعامل النووية السرية في كاليفورنيا، وفي الطريق إلى المعمل، ظهرت شاحنة نقل كبيرة فجأة، واصطدمت بسيارة سميرة التي كانت تسير بها، فسقطت السيارة من ارتفاع 40 قدما، وقتلت في الحال، بينما اختفى سائق السيارة الذي كان زميلا لها في الجامعة وكان يحمل اسما غير حقيقي.
 
لم تكن سميرة موسى تهتم بالعلم فقط، بل كانت شخصية متكاملة؛ شاركت في أنشطة اجتماعية كثيرة، من بينها رعاية الأطفال الأيتام، وتنظيم برنامج لتعليم القراءة والكتابة للمشردين، وكانت تحب الموسيقى وتعزف على العود، وتهوى التصوير.
 
 
وكتبت في رسالتها الأخيرة إلى والدها: "عندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأواصل جهدي في الدراسة والبحث".
 
كرمتها الدولة المصرية بعد وفاتها، وقرر الرئيس الراحل أنور السادات منحها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981، كما أطلق اسمها على مدرسة بقريتها وقاعة بكلية العلوم، وأنشئ قصر ثقافة يحمل اسمها عام 1998.
 
رحلت سميرة موسى عالمة الذرة المصرية القديرة، لكن اسمها بقي في سجل الشرفاء الذين أرادوا الخير لأوطانهم، فدفعوا ثمن ولائهم غاليا.