هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
أثار تعيين شيري فان رئيسةً لأساقفة ويلز الخامس عشر، كأول امرأة وأول مثلية تشغل هذا المنصب، بعد انتخابها بأغلبية ثلثي أعضاء المجمع الانتخابي المكوّن من الإكليروس وبعض ممثلي الشعب، جدلاً واسعاً وأشعل موجة من الاعتراضات داخل الكنيسة الأنجليكانية، وبين مختلف الطوائف المسيحية حول العالم.
فقد جاء هذا التعيين في ظل انقسامات حادة تشهدها الكنيسة الأنجليكانية بشأن قضايا المثلية الجنسية، بين تيارات محافظة متمسكة بالتقاليد، وأخرى تدعو للتحديث والانفتاح.
إننا نرى أن هذا القرار يمثل انحرافاً عن التعاليم المسيحية، وتخلياً عن أسس المعتقدات التي تنص على أن الزواج هو اتحاد دائم بين رجل وامرأة. كما نرفض رسامة المرأة قسّاً، لكون ذلك مخالفاً لما ورد في الكتاب المقدس، رغم إقدام بعض الكنائس الأنجليكانية وغيرها على تعيين نساء في مناصب كهنوتية.
ويُطرح تساؤل مشروع: كيف يمكن لرئيسة أساقفة أن تتعهد بالحفاظ على تعاليم المسيحية بينما حياتها الشخصية تتناقض معها؟ إذ إنها تعيش في علاقة ارتباط مثلي مع امرأة أخري، وقد أعلنت كنيسة ويلز السماح بمباركة الارتباطات المثلية، ما زاد من حدة الجدل. وقد واجهت الكنيسة الأنجليكانية الام السنوات الأخيرة عدة احداث أدت إلى عزوف بعض أعضائها.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هل يجوز رسامة المرأة قساً ؟!
أن الكتاب المقدس لم يسجل رسامة امرأة قسًا، وأن السيد المسيح بحكمته الغير محدودة أختار 12 تلميذًا من الرجال و70 رسولًا جميعهم من الرجال، لخدمة التعليم داخل الكنيسة. ولا يقلل هذا الموقف من شأن المرأة أو قيمتها، لقد خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى على صورته كشبهه (تكوين 1: 27). فهم متساوون في الوجود والكينونة والقيمة من حيث الخلق. وبالفداء ولهم أيضًا نفس النصيب الصالح نتيجة عمل المسيح الكفاري، فهم واحد في المسيح، وإنما رفض رسامة المرأة قساً هو التزام بالحق الكتابي الذي يحدد أدواراً ووظائف مختلفة لكل من الرجل والمرأة، ولا أحد ينكر الرسالة العظيمة التى كلفت المرأة بها من الرب.
إنَّ رسامة المرأة قِسًا عدم طاعة لوصية الكتاب المقدس الواضحة لحفظ دور القس للرجل. فيقول الكتاب المقدس، "لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ." (1 تيموثاوس 2: 11–15).
"لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ". (1 كورنثوس 14: 34-35)
هذه الآيات تعلّم بوضوح عدم السماح للمرأة أن تعلّم أو تتسلّط في الكنيسة في (1 تيموثاوس 2: 12) ، ولم يمنع عن المرأة أن تعلّم وترشد أسرتها داخل البيت، لكنه فقط يمنعها من وظيفة التعليم داخل الكنيسة، هذه الوظيفة التي أودعها الله للرجال على وجه التحديد، وهذا ليس له علاقة بمواهب المرأة أو استحقاقها وحقوقها لكن بالطاعة ورئاسة الرجل. فالمسيح هو الملك والرأس الوحيد لكنيسته، يحكم فيها من خلال كلمته وروحه. وليس مسموحًا للكنيسة أن تمارس أي أمر يخالف الكتاب المقدس. فكلمة المسيح تمنع المرأة من أي التعليم داخل الكنيسة بحسب (1 تيموثاوس 2: 12).
والأسباب التي يعطيها بولس الرسول غير مرتبطة بالعادات الاجتماعية، بل بأسباب تنطبق على كلّ العصور، وهي كون آدم خلُق أولًا، وكون المرأة انخدعت أولًا. (1 تيموثاوس 2: 13-14). ويأتي بعد هذا النص مباشرا التعليم بشأن مؤهلات وظيفة القس و الأسقف في الكنيسة (1 تيموثاوس 3: 1-7) والتي تنطبق فقط على الرجال على أساس أنه تم استثناء المرأة من هذه الوظيفة في (1 تيموثاوس 2: 12–14) فقد وضع الله نظامًا في الخلق وعلى الكنيسة أن تتبع هذا النظام. ولأن قوانين الخلق لا تتغير فكذلك تطبيقها لا يتغير فيما يتعلق بعدم جواز رسامة المرأة قساً .
أن العهود الكتابية الستة التي صنعها الله مع شعبه كانت من خلال وساطة الرجل وليس المرأة. فالرجل هو الممثل لخليقة الله بما فيها النساء. فكما رأينا مثلاً، العهد الذي قطعه الله مع آدم تطلّب ولاء آدم بالطاعة وشمل على عواقب العصيان وهو الموت. وهذا كله قُيل لآدم باعتباره ممثلاً ونائبًا ورأسًا لحواء.فالرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح هو رأس الكنيسة (أفسس 5: 23).
أن رئاسة الرجل متجذّرة بعمق في نظام الخلق نفسه (تكوين 2: 15–24، 3: 15–19، 1 تيموثاوس 2: 11–15، 1 بطرس 3: 1–7)، وكذلك أيضًا في النظام الذي وضعه الله في الكنيسة. ومن ثم وفقاً لتعاليم الكتاب المقدس لا يجوز رسامة المرأة قساً، فأن أدوا العلاقات الذي منحها الرب للرجل والمرأة غير قابلة للتفاوض فيها. فالأمر يتعلق باللاهوت وليس تسيّد ثقافي أو تأثير مجتمع ذكوري كما يدعي البعض.
اما ما يظنه البعض وجود شخصيات مثل دبورة القاضية في سفر القضاة أصحاحات 4–5 يجعل من حق المرأة التعليم داخل الكنيسة.
فهذا مردود عليه فكونها قاضية يعني أنها كانت تحكم بين الناس، حيث يقول الكتاب “فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ” (راعوث 1: 1). فحكم القضاة لم يكن وظيفة دينية. كان الكهنة واللاويين هم الوعاظ وقادة العبادة في ذلك الوقت.
ونحذر من التعليم الليبرالى الحر الذى يخالف تعاليم الكتاب المقدس. ويجب علينا جميعاً رفض رسامة المرأة قساً لان تلك التعاليم الخاطئة دخيلة على قيمنا ومبادئنا المسيحية.
وبالمثل، فإن المثلية الجنسية مرفوضة جملة وتفصيلاً، إذ تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتعتبر انحرافاً سلوكياً وأخلاقياً ناتجاً عن خلل في التنشئة والتطور النفسي، وليست نتاجاً لعوامل وراثية كما أكدت أحدث الدراسات العلمية المنشورة في دورية ساينس، التي خلصت إلى عدم وجود جين محدد مسؤول عن المثلية الجنسية، وأن العوامل البيئية والاجتماعية والتربوية تلعب الدور الأكبر في تشكيل الميول الجنسية.
وقد أيّدت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبورغ، بإجماع قضاتها السبعة والأربعين، أن “لا يوجد حق قانوني في الزواج بين أشخاص من نفس الجنس”، وهو ما يتفق مع الفلسفة الطبيعية، والقوانين الوضعية، والشرائع الثلاثة المنحدرة عن ابراهيم عليه السلام ، التي ترفض المثلية الجنسية وتعدّها خطيئة كبرى.
وفي الإسلام، أجمع الفقهاء على تحريم المثلية، مستندين إلى نصوص قرآنية وأحاديث وقصة قوم لوط، واعتبارها جريمة تستوجب العقوبة. وكذلك المسيحية، التي وصفت المثلية بأنها فاحشة وخطيئة تمنع دخول ملكوت الله، مع التأكيد على التفريق بين احترام الأشخاص ورفض السلوك.
وفي القانون المصري، رغم عدم وجود نص صريح يجرّم المثلية، إلا أنها قد تندرج تحت جرائم “ممارسة الفجور” أو “خدش الحياء العام”، والتي تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات.
بناءً على ما تقدم، ندعو منظمة الصحة العالمية إلى إصدار تقرير يؤكد أن المثلية ليست ظاهرة وراثية وإنما حالة مرضية تحتاج إلى علاج، ونطالب هيومن رايتس ووتش بعدم اعتبارها قضية من قضايا حقوق الإنسان، بل خطراً يهدد استقرار المجتمعات.
كما نهيب بجميع دول العالم أن تتخذ إجراءات حاسمة لتحريم وتجريم زواج المثليين، والعمل على معالجة هذه الظاهرة من جذورها.
ونناشد كافة كنائس العالم رفض رسامة المرأة قساً تماشيا مع تعاليم الكتاب المقدس، يعتبر الكثيرون أن هذا الموقف يعكس التزامًا قويًا بتطبيق المبادئ الدينية في الممارسات الكنسية.