م. شريف منصور
في السنين الأخيرة، بدأ يظهر تحالف غريب وخطير بيجمع بين طرفين شكلهم متناقض، لكن في الحقيقة بيلتقوا على نفس الهدف المدمر. من ناحية، فيه المتطرفين الدينيين – وعلى رأسهم الإسلاميين المتشددين – اللي بيرفضوا مبدأ حرية السوق ونجاح الفرد. ومن ناحية تانية، فيه تيار يساري راديكالي بيشيطن الثراء، ويعاقب الابتكار، وعايز يحط الدولة وصاية كاملة على الرزق.

لما تبص من بعيد، ممكن تقول: دول عالمهم مختلف، واحد بيتكلم باسم الدين، والتاني بيهتف باسم السياسة التقدمية. لكن لما تشوف أفعالهم، تلاقيهم بيشتغلوا على نفس الهدف: هدم الرأسمالية، واستبدالها بأنظمة تخنق الحرية، توقف التقدم، وتكافئ الكسل بدل الشطارة والمجهود.

أوهام “الإسلاموفوبيا” والمثالية السياسية
المجتمعات الغربية اتبرمجت تصدّق إن “الإسلاموفوبيا” من أخطر التهديدات للديمقراطية. طبعًا أي كراهية أو عنصرية ضد أي حد بسبب دينه مرفوضة تمامًا، لكن المشكلة إن مفهوم “الإسلاموفوبيا” بالشكل اللي بيتطرح دلوقتي بقى كلمة مطاطية، بيتم استخدامها علشان يقفلوا باب النقاش عن قضايا حقيقية زي التطرف، الاندماج، وحماية الحريات المدنية.

وده نفس منطق المثالية السياسية أو “اليوتوبيا”… الحلم الفاضي إنك تعمل مجتمع مثالي متساوي 100% عن طريق الضرائب المبالغ فيها، والرقابة، وإعادة توزيع الثروة بالقوة. لا ده بيحصل في الواقع، ولا بيجيب تقدم. الحقيقة إن المجتمعات بتتطور لما تسيب الناس تاخد مخاطر، تبتكر، وتستفيد من ثمرة تعبها.

الاتنين – الإسلاموفوبيا كمشروع سياسي، والمثالية الاقتصادية – عايشين في عالم الشعارات، مش في أرض الواقع. وفي الحالتين، بيتحولوا لأدوات لضرب الحريات اللي بتخلي المجتمعات تتقدم.

الإسلاميين اللي لابسين لبس اليسار
خد مثال: المرشح الديمقراطي لعمدة نيويورك، مامداني. الراجل بيروّج لأفكار اقتصادية يسارية متطرفة، وفي نفس الوقت عنده خلفية إسلامية سياسية. هو بيقول إنه ضد وجود مليونيرات أصلاً، وعايز يفرض ضرائب عقابية شبه الجزية اللي كانت بتفرض زمان على غير المسلمين في الدول الإسلامية.

السياسات دي مش عدالة، دي عقاب للنجاح علشان يكسب تأييد الجماهير. واللي بيحصل هنا إنه بيحقق هدف اليسار الراديكالي ومعاه هدف الإسلاميين: خنق الابتكار، إحباط ريادة الأعمال، وتحميل الناس الشغالة والمُنتجة شغل وتكاليف ناس مش بتساهم في النمو الاقتصادي.

ليه الرأسمالية مهمة؟
الهجوم على الرأسمالية مش مجرد اختلاف فكري… دي عملية هدم لأعظم ماكينة تقدم في تاريخ البشرية. الرأسمالية هي اللي رفعت مليارات من الفقر، وهي اللي موّلت اختراعات وأدوية وأنظمة أنقذت حياة الملايين، وهي اللي فتحت باب قفزات تكنولوجية عظيمة.

بص على ChatGPT كمثال بسيط. التكنولوجيا المبهرة دي ما طلعتش من أنظمة مقفولة أو أحلام مثالية، دي نتاج استثمار خاص، ومخاطرة، وتنافس حر في بيئة سوق مفتوحة. من غير الرأسمالية، المشاريع دي ما كانتش هتشوف النور أصلاً.

الطريق للفقر والسيطرة
لما يتحد المتطرف الديني مع اليساري الراديكالي ضد الرأسمالية، هما بيتحدوا ضد الحرية نفسها. بيستبدلوا الفرص بالاعتماد على الدولة، والتنافس بالتحكم، والابتكار بالجمود. بيقولوا إنهم بيحاربوا الظلم، لكن في الحقيقة بيهدّوا الأسس اللي بتدي للإنسان كرامته، وإبداعه، وقدرته إنه ينجح.

الحقيقة بسيطة: النجاح لازم يتحتفى بيه مش يتعاقب. الثراء لازم يتشاف على إنه ثمرة شغل ومخاطرة، مش خطيئة لازم تتصلّح. وأي حركة سياسية – سواء لابسة جلابية الدين أو رافعة شعار التقدمية المتطرفة – هدفها هدم الرأسمالية، دي مش صاحبة عدل، دي عدوة الحرية.

التاريخ ورّانا إن المجتمعات اللي بتجرّم النجاح بتسقط في الفقر والفساد والقمع. وعلينا نتعلم من التاريخ

م. شريف منصور