جيهان ثابت
في صباح رمادي، جلس "آدم" في مقهى صغير يطل على ساحة المدينة، يراقب شاشة التلفاز المعلقة في الزاوية. المذيع يتحدث عن انهيار جديد في أسواق المال، وتراجع غير مسبوق في قيمة بعض العملات. رفع آدم فنجان قهوته بتثاقل، وهو يتذكر الأيام التي كانت فيها الأخبار تبشر بازدهار وتقدم، وكيف تغيّر كل شيء فجأة.
في زاوية المقهى الأخرى، جلست "ليلى"، طبيبة في أحد المستشفيات العامة. كانت تتصفح تقارير منظمة الصحة العالمية على هاتفها، تقارير عن أمراض جديدة تنتشر، ونقص في الأدوية والمعدات. تذكرت ليالي المناوبة الطويلة، وكيف كانت تحاول إنقاذ الأرواح وسط نقص الإمكانيات وضغط الأعداد المتزايدة من المرضى.
وعلى الطاولة المجاورة، كان "يوسف" المدرس في مدرسة حكومية، يكتب ملاحظات عن طلابه الذين لم يعودوا يحضرون بانتظام. كثير منهم اضطروا لترك الدراسة لمساعدة أسرهم في مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية. كان يعلم أن فقدان هؤلاء الأطفال لمقاعد الدراسة يعني خسارة جيل كامل لفرصته في مستقبل أفضل.
وفي ركن قريب، جلس "حسن"، رجل ستيني، يحمل جريدة تحمل عنوانًا مثيرًا: "تعديل قانون الإيجار القديم… بين المالك والمستأجر". ارتسم القلق على وجهه، فالقانون الذي وفر له الاستقرار لعقود يوشك أن يتغير. يخشى أن يجد نفسه مجبرًا على مغادرة شقته التي عاش فيها نصف عمره، بسبب زيادات مفاجئة أو قرارات لا تراعي ظروفه. يعرف أيضًا أن هناك مالكين يرون أنهم تعرضوا للظلم لسنوات طويلة، إذ يحصلون على إيجارات زهيدة لا تكفي حتى لصيانة العقار.
أدرك "حسن" أن القضية أكبر من مجرد عقد إيجار؛ إنها أزمة اجتماعية وإنسانية واقتصادية وقانونية متشابكة، تعكس صورة مصغرة لما يحدث في العالم:
• الأزمة الاقتصادية تلتهم مدخرات الناس وتغلق أبواب الرزق.
• الأزمة الصحية تكشف هشاشة الأنظمة أمام الأوبئة والمستجدات.
• الأزمة التعليمية تهدد بضياع جيل كامل.
• الأزمة القانونية في ملف الإيجار القديم تضع المستأجرين والمالكين في مواجهة معقدة، يصعب فيها التوصل لحل يرضي الجميع.
جلس الأربعة في المقهى، لا يعرف أحدهم الآخر، لكنهم جميعًا جزء من لوحة واحدة مرسومة بألوان الأزمات.
نظر آدم إلى الشارع المزدحم وقال في نفسه:
"هذه الأزمات ليست منفصلة… إنها حبال متشابكة تشد العالم نحو مفترق طرق خطير."
ابتسم يوسف وهو يغلق دفتره:
"ربما لا أستطيع تغيير العالم كله، لكن يمكنني أن أزرع بذور المعرفة في طلابي."
رفعت ليلى رأسها من هاتفها:
"ربما يكفي أن أواصل إنقاذ الأرواح، حتى لو واحدة في كل مرة."
أما حسن فتمتم بصوت منخفض:
"أتمنى أن يجد قانون الإيجار القديم حلاً عادلًا، لا يظلم المالك ولا يطرد المستأجر."
وغادر آدم المقهى وهو يقول في نفسه:
"المستقبل لم يُكتب بعد… وربما لا يزال أمامنا أمل