بقلم: نادر شكري
يبدو أن الخط الفاصل بين دور الدولة المدني ودور المؤسسات الدينية في مصر يزداد ضبابية يومًا بعد يوم. آخر المشاهد جاء بتوقيع بروتوكول تعاون بين وزارة النقل ووزارة الأوقاف لتوعية المواطنين على الطرق. في ظاهر الأمر، قد يبدو الأمر “مبادرة مجتمعية” تهدف للسلامة المرورية، لكن في جوهره يثير تساؤلات عميقة: منذ متى أصبحت خطبة الجمعة أو المنبر بديلاً عن قانون المرور ورجال الشرطة؟

الدولة المدنية الحديثة تقوم على أن القوانين هي المرجعية الأولى والأخيرة لتنظيم حياة المواطنين، سواء كانوا سائقين على الطرق أو طلبة في المدارس أو متعاملين في الأسواق. لكن ما نشهده مؤخرًا هو توسع لافت لدور المؤسسات الدينية في ملفات يفترض أن تكون من صميم اختصاص الأجهزة التنفيذية المدنية. قبل أسابيع، شاهدنا وزارة التعليم تدخل على خط “الحضانات في المساجد” بحجة التربية، واليوم وزارة النقل تفسح المجال للوعظ على الطرق. فما التالي؟ إدارة المرور عبر الفتاوى؟

الأخطر أن هذا النمط ليس أحداثًا متفرقة، بل مسار متصاعد يرسّخ لفكرة الدولة الدينية، حيث تُختزل مؤسسات القانون في دور ثانوي، بينما تتقدم العمامة والفتوى إلى مقدمة المشهد العام. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: عندما تحل النصيحة الدينية محل الردع القانوني، تتحول المخالفات إلى “ذنوب” بدلاً من جرائم أو جنح، وتصبح الطاعة للقيم الوعظية بديلًا عن الالتزام باللوائح والمواد القانونية.

السلامة المرورية، وضبط السلوك على الطرق، وحماية الأرواح والممتلكات، ليست قضايا إيمانية أو وعظية، بل هي منظومة قانونية قائمة على الرقابة والعقوبة. إذا أرادت الدولة خفض الحوادث، فالمفتاح هو صرامة تطبيق القانون، وتطوير البنية التحتية، وتحسين التدريب والرقابة—وليس الخطب والدروس، وإذا كان هناك دور توعوي للمؤسسات الدينية فالأمر لا يحتاج لتوقيع بروتوكول فى مشهد يصدر رجال الدين فى كافة مناحي الحياة ، فيمكن أن تقوم بدورك والتوعية بهدوء وهو البحث على الالتزام بتطبيق القانون وهذا هو أساس الدولة المدنية.

إن إقحام المؤسسات الدينية في الملفات المدنية لا يضعف فقط هيبة القانون، بل يفتح الباب واسعًا أمام الخلط بين الدين والسياسة، وهو خلط طالما كان مدخلًا للسلطوية باسم المقدّس. ما تحتاجه مصر اليوم هو دولة قانون قوية، لا دولة وعظ متضخم.