بقلم الأب يسطس الأورشليمى
كان سمعان بن حلفى. واخوته يعقوب الصغير ويهوذا الرسول ويوسى، كما جاء في انجيل متى (13: 55). وهو احد المبشرين الاثنين والسبعين.
ولقد لازم سمعان الرسول هذا,مخلصنا مدة كرازته وهي تزيد علي ثلاث سنوات,يسمع منه ويعي ما يسمعه في قلبه ولذلك فقد كان واحدا من السبعين الذين عينهم الرب,
ودعاهم رسلا (لوقا10:1). ويأتي اسمه عادة,الأول,بينهم.وهو المعروف بأنه أخو الرب يسوع بالجسد,أو بالأحري,نسيب يسوع ذلك لأنه ابن حلفي.وحلفي هو شقيق القديس يوسف النجار المشهور بأنه خطيب العذراء مريم, ولقد كان واحدا من بين الذين كانوا يلازمون الصلاة في العلية التي أقام الرسل فيها إلي أن حل روح القدس عليهم في يوم الخمسين لقيامة المسيح في شبه ألسنة من نار,وتلبسوا بالقوة من الأعالي (أعمال الرسل 2:1-4),(1:4, 5, 8).علي مايروي يوسابيوس القيصري في كتابه (تاريخ الكنيسةالجزء الثالث فصل11), (الجزء الرابع فصل22:4), وأبيفانيوس,هيجيسيبوس وهو المسمي أيضا كلوبا. فحلفي اسمه الآرامي, وأما كلوبا فهو الاسم اليوناني لنفس الرجل.وزجته هي مريم التي وصفت في الإنجيل أنهامريم زوجة كلوباالأخت الشقيقة الصغري للعذراء القديسة مريم (يوحنا19:25).
كان في اورشليم يوم هاج اليهود على أخيه يعقوب اسقف اورشليم الاول ورموه من فوق جناح الهيكل فمات شهيداً
بعد إستشهاد يعقوب بن حلفى وغزو أورشليم الذي تم بعد ذلك مباشرة, يقال أن بقية رسل الرب والتلاميذ الذين كانوا لا يزالون أحياء تجمعوا في أورشليم معاً من كل الأقطار مع أقارب الرب حسب الجسد ليتشاورا في من يحق له أن يخلف يعقوب. . فأجمع الرسل على انتخاب أخيه سمعان بن كلوبا أبن خالة الرب خلفاً له . فأخذ يسوس رعيته بما تحلى به من حكمة وغيرة رسولية. وفي تلك الاثناء ثار اليهود على الحامية الرومانية فذبحوها، طمعاً باستقلالهم واعادة مجد آبائهم. ولم يدروا بمَا سيحل بهم. أما الاسقف سمعان فاستدرك الامر وعرف ما سينزل باروشليم من الخراب. فغادرها هو ورعيته كلها وذهب بهم الى شرقي الاردن حيث أقاموا آمنين.
ولكن وشى بعض الهراطقة عليه بإعتبار أنه من نسل داود وأنه مسيحى، ولكن لم يلبث أن ألقى القبض على المشتكين عليه أيضاً على أساس أنهم من نفس العشيرة.
وما لبث أن جاءت الجيوش الرومانية، فطوقت مدينة اورشليم سنة السبعين ودخلتها عنوة وعملت السيف في بنيها وقتلت منهم مئة الف والتهمت النيران هيكلها البديع. فتمت فيه نبوة السيد المسيح:" انه لا يترك ههنا حجر على حجر الا ويُنقَض" (متى 24: 2) فشكر المسيحيون الله على نجاتهم من سيف الرومانيين بفضل اسقفهم القديس سمعان. ولما هدأت الحال عاد هذا الاسقف مع رعيته الى اورشليم يواصل جهاده في خير أبنائه، نحو 35 سنة. فازداد عدد المؤمنين في أيامه.
ثم بشر بالمسيح في بلاد فلسطين,وفي قبرص وجزائر البحر,ولكن كرازته تركزت علي الخصوص في إقليم اليهودية في بلاد فلسطين,وقد عمل علي إرشاد اليهود إلي الإيمان بالمسيح وكان يحضهم علي العفة والطهارة ولقد جذب بكرازته الكثيرين,وقد صنع الله علي يديه معجزات وكرامات,ولكنه أيضا عاني من اليهود مضايقات كثيرة.
ولم ثار اليهود علي الحامية الرومانية في أورشليم في نحو سنة66لميلاد المسيح,وهاجموا الأبراج القائمة في ثلاثة أماكن في المدينة,وقتلوا جميع العسكر الذين فيها,فأدرك القديس سمعان خطورة الموقف,وأيقن أن روما لابد أن تنتقم وعندئذ رن في أذنه ما قاله المسيح له المجد متنبئا عن خراب أورشليم,وتذكر ما أوصي به المؤمنينومتي رأيتم أورشليم قد أحاطت بها الجيوس,فاعلموا أن خرابها قريب…فمتي رأيتم علامة النجاسة والخراب التي قيل عنها بفم دانيال النبي قائمة في المكان المقدس,حيث لا ينبغي أن تكون,فليفهم القارئ حينئذ فليهرب الذين في اليهودية إلي الجبالوالذين في داخلها فليبارحوها(لوقا 21:20, 21),(متي24:15),(مرقس13:14).
وجعل الرسول سمعان ينذر رعيته بأقوال السيد المسيح وقولهفاحذروا أنتم.وهأنذا قد سبقت وأخبرتكم بكل شئ(مرقس13:23),(متي24:25),فاقتنعوا بقوله وغادروا جميعا أورشليم واتجهوا شرقا,وعبروا الأردن وأتوا إلي بلدة علي الجبال تسمي(بلا) PELLA وأقاموا هناك,وبذلك نجوا جميعا من ويلات الحملة التأديبية التي انقض بها الرومان علي أورشليم وعلي الشعب اليهودي,فقد طوقت الجيوش الرومانية أورشليم بقيادة كاستيوس القائد العام ثم تيطس,في سنة70 لميلاد المسيح,وقتلوا من أهلها أكثر من مائة ألف,وسبوا معهم إلي روما ما يزيد علي99ألفا,وأحرقوا الهيكل ودمروه عن آخره,فتم حرفيا قول المسيح له المجدهوذا بيتكم يترك لكم خرابا(متي23:38),(لوقا13:35) وقولهالحق أقول لكم أنه لن يترك هنا حجر علي حجر لا يهدم (متي24:2), (مرقس13:2), (لوقا21:6) وقوله عن أورشليم بعد أن بكي عليهاستأتي عليك أيام يحيط بك فيها أعداؤك بالمتاريس, ويطوقونك ويحاصرونك من كل جهة, ويدكونك وبنيك فيك,فلا يتركون فيك حجرا علي حجر,لأنك لم تعرفي زمان افتقادك (لوقا19:41-44) وقوله هذه ستكون أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب…فإنه سيكون ضيق عظيم في الأرض,وسخط علي هذا الشعب,وسيسقطون بحد السيف ويؤخذن أسري إلي كل الأمم (لوقا21:21-24) ,(متي24:21),(مرقس 13:19).
ولما هدأت الحرب,عاد القديس سمعان الرسول مع رعيته وشعبه المسيحي إلي أورشليم,وكان ذلك نحو سنة74/73 لميلاد المسيح.
وظهرت بدع وهرطقات,قادها قوم خلطوا بين اليهودية والمسيحية,أو بالأحري أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من يهوديتهم فأرادوا أن يعودوا إلي حفظ السبت اليهودي,والالتزام بالختان وبالغسلات والتطهيرات اليهودية وما إليها من فرائض الناموس القديم,وكان علي القديس سمعان الرسول أن يواجه هذه البدع والهرطقات ويناهضها,وينقذ شعبه منها,ويرد عليها,ويثبت أبناءه علي الإيمان الأرثوذكسي بالمسيح وشريعة العهد الجديد.
وزادت متاعب الرسول القديس سمعان في أيام الإمبراطور تراجانTRAJAN (97-117م) الذي أثار اضطهادا عنيفا ضد ذرية داود,الملك,ومنهم سمعان الرسول أسقف المسيحيين الذي يرتد نسبه إلي داود الملك,وضد المسيحيين عموما,وضد اليهود أيضا,إذ قد نما إلي علمه أن هؤلاء وأولئك ينادون بمجئ ملك يخرج منهم ويسود علي المسكونة.
فلما صدرت أوامر الإمبراطور باستئصال ذرية داود كان والي أورشليم وكل بلاد فلسطين من قبل الأمبراطورية الرومانية منذ سنة104 م هو أتيكوسATTICUS SURBANUS فقبض علي سمعان الرسول أسقف المسيحيين بتهمتين:الأولي أنه مسيحي والثانية أنه من ذرية داود(يوسابيوس-في تاريخ الكنيسة الجزء الثالث,فصل 32:3).
واستدعاه(أتيكوس),فمثل الرسول أمامه,وكان شيخا ناهز المائة والعشرين سنة,قال له الوالي:إذا كفرت بالمسيح,وأظهرت ولاءك للإمبراطور,عفونا عنك,وإلا فإنك ستموت موتا.إما الرسول فأجابه بكل ثبات ورباطة جأش,معترفا جهارا وبغير تردد بإيمانه بالسيد المسيح.
عندئذ أمر الوالي بأن يجلد القديس سمعان جلدا عنيفا,وأن يذيقوه كل أنواع العذاب والإهانات,ولم يشفقوا علي شيخوخته.لكنه علي الرغم من ضعف بنيته وكبر سنه,ظل ثابتا صابرا صامدا,ولم تلن له قناة,حتي أن الوالي تعجب من جلده وقوة احتماله,ولم يدر أن إيمانه بالله قد منحه القوة وشدد عزمه فصار كالطود الأشم عاليا سامقا وشجاعا لا يخاف.
فلما رأي الوالي أنه لم يستطع بالتعذيب أن ينال من عزيمته,أو يثنيه عن ثباته وصموده,أمر بأن يموت صلبا علي غرار معلمه وسيده المسيح,فقابل القديس هذا الحكم بسعادة غامرة,طفحت علي وجهه وكل أعضاء بدنه وأحس إحساسا عارما بالشرف الذي اختصه به الإمبراطور,أن يكون مصيره مصير سيده المسيح,فمد يديه لصالبيه متهللا,وظل علي الصليب يسبح الرب إلي أن مات شهيدا,في سنة 107م لميلاد المسيح,وكان له من العمر أكثر 100عاما.