القمص رويس الجاولى
الجاليات الأجنبية المسيحية في العراق والتبشير
تعد مدينة الموصل من المناطق المهمة بالنسبة للمبشرين المسيحيين بسبب كثرة أبناء الطائفة المسيحية فيها، إذ عُدّ القرن السابع عشر بداية للإرساليات الغربية، فانطلقت الإرساليات الفرنسية تحت رعاية وتنظيم مجمع التبشير بالإيمان في روما، فأرسلت لتلك الغاية بعثات تبشيرية متواصلة منذ أواسط القرن السابع عشر ومنها إرسالية الآباء الكرمليين الذين كانوا يترددون علي مدينة الموصل، ففي عام 1622 أنشئ في روما تنظيم يدعي مجمع انتشار الإيمان غايته نشر التعاليم المسيحية الكاثوليكية في الشرق بصورة خاصة، وكانت مدينة بيروت وحلب المركزين الرئيسيين التي تُرسَل منهما الإرساليات التبشيرية، فانطلقت إلى العراق وإلى الموصل بعثات تبشيرية مستفيدة من الأقليات المسيحية الموجودة لإنجاح عملها. كما بدأ الفرنسيون نشاطهم في العراق منذ أوائل الحكم العثماني، ولكن لم يكن نشاطهم يلفت النظر، ولذلك تركوا المبشرين الكبوشيين، فالدومنيكانيون الكاثوليك يعملون دون أن يتعرض لهم أحد، وكانت مهمتهم الأساسية تحويل أكبر عدد من الطوائف المسيحية إلى المذهب الكاثوليكي.
سعى الكبوشيون لإقامة مركز لهم في الموصل، وأسسوا أول نواة كاثوليكية عام 1636 بهدف تحويل النساطرة من مذهبهم الشرقي إلى المذهب الكاثوليكي،إلا أن العلاقة التي تربط الكبوشيون بالدولة العثمانية اعتراها التدهور، مما أدى إلى غلق دارهم في بغداد، وإغلاق مركزهم في الموصل، وانتقالهم إلى ديار بكر.
ونتيجة للجهود المبذولة آنذاك ازداد عدد المتكثلكين، مما دفعهم إلى الاعتقاد بأنهم قادرون علي الامتناع عن دفع الرسوم المستحقة عليهم للدولة، فسعى بطاركة القوش النساطرة وبطاركة ماردين اليعاقبة لكبح جماح ذلك التيار الديني المعزَّز بحماية الفرنسيين، وعمدوا إلى استخدام سلطاتهم الإدارية والقضائية وتوسطوا لدى الحكام، وكانت تهمة تعاون الكاثوليك مع المبشرين الأوربيين كافية لإنزال العقوبات بهم، فاضطر الكبوشيون إلى هجر مراكزهم في الموصل عام 1724، ويمكن القول أن مدة حكم الجليليين في الموصل تعد مدة تقدم التبشير الكاثوليكي في شمال العراق.
وقد تمكن الكبوشيون من تكوين أول نواة كاثوليكية لهم بعد تلك المدة في مدينة الموصل من النساطرة الذين أطلق عليهم تسمية الكلدان عام 1750، وبذلك انتعشت الكثلكة من جديد في مدينة الموصل، وعملت من أجل تحقيق أهدافها، ففي عام 1750 نجح الأبوان الإيطاليان فرنسيس طورياني، وعبد الأحد يلشيني، في فتح مركز للآباء الدومينيكانيين في الموصل، وسهل مهمتهم كاثوليك الموصل الذين كانوا على علاقة حسنة مع الوالي الجليلي وتصدوا للفرس مع المسلمين عام 1742.
انتشرت الكثلكة في الموصل، فبعد أن كان عدد أسر الكلدان الكاثوليك في الموصل عام 1747 لا يتجاوز العشرات، أصبحت في مطلع القرن التاسع عشر 1000 أسرة كلدانية.
أرسلت الجمعية الإنكليزية جرانت مبشرًا لها في العراق عام 1843، وقد حالفه النجاح في عمله بين الطوائف المسيحية العراقية، كما حظي بمساعدة القنصل البريطاني، الذي وضع كل إمكانياته لكسب السريان اليعاقبة والنساطرة والكلدان إلى الكنيسة الأنجليكانية.
وقد أصبح جرانت موضع ثقتهم واحترامهم في ذلك الوقت، إذ طلب منه قساوسة النساطرة أن يبني لهم مدرسة لتعليم الصبيان، فاستغل حاجتهم وأشاع بين الأكراد أن البناية قلعة حربية وأن النساطرة يستعدون للهجوم على الأكراد، مما دفع الأكراد إلى أن يهجموا على مقر البطريرك الآشوري ويحرقوه، فازدادت الفتنة بين الآشوريين والأكراد، حتى تدخلت السلطات البريطانية بحجة حماية الآثوريين، ووجهت وزارة الخارجية البريطانية عام 1857 كتابًا إلى السفارة البريطانية في القسطنطينية بصدد حماية الآشوريين.
ولعل الأدوار التي اتُّخذت في استمرار التبشير لم تقتصر على كرسي الكنيسة فحسب، وإنما بفتح أبوابه عن طريق الواجهات المدرسية، والمطبعة التي فتحت في الموصل، كما أنه لم يقتصر العمل على الجانب الثقافي، بل تعداه إلى الجانب العلاجي، وبخاصة عندما اجتاحت الكوليرا مدينة الموصل بين عامي 1863 - 1865، كما أن الإرساليات التبشيرية قد مارست نشاطات اجتماعية مختلفة لخدمة مبادئ الدول التي أرسلتها.
لقد ساهم النشاط التبشيري الأمريكي في مدينة دهوك، التي كانت تابعة إداريًّا للواء الموصل في إرسال المبشر كمبرلاند الذي كان يدعو المسلمين علناً للدخول في الدين المسيحي، مما أدى إلى قتله من قبل سليم آغا بيسفكي من أهالي دهوك عام 1938. تحكي عدد من سجلات السفر المختلفة والتي تعود إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين عن عدد من القبائل المسيحية الكردية، وكذلك القبائل المُسلمة الكردية.
وإن كان عدد كبير من هؤلاء زعم أن أصوله أرمنيَّة أو آشوريَّة، تاريخيًا كان غالبيَّة الأكراد الذين اعتنقوا المسيحية من أتباع كنيسة المشرق.