د. سامح فوزى
يحظى التعليم بنقاشات واسعة، خاصة فيما يتصل بخطط التغيير المستقبلى المتعلقة بالمناهج، ونظام الثانوية العامة، وغيرها.. تستوعب هذه النقاشات طاقة الحوار حول التعليم على حساب قضايا أخرى لا تقل أهمية، لكنها لا تتمتع بذات الاهتمام او الإلحاح لأنها لا تتصل بعصب العملية التعليمية الذى يشغل اهتمام الأسرة المصرية منذ عقود مثل المناهج، والامتحانات، ومعايير النجاح، وأعنى بالقضايا الأخرى قضايا المستقبل التى تسهم فى تشكيل وعى ووجدان النشء والشباب.
أولا: فى مقدمة هذه القضايا التربية المدنية، اى تكوين النشء على قيم المشاركة، واحترام التنوع والاختلاف من خلال الأنشطة المدرسية، والعمل التطوعى فى المبادرات الإنسانية والاجتماعية. تشير أنظمة التعليم المتقدمة إلى ان التعليم بمنطق المقررات الدراسية ليس كل شيء، ولكن هناك جانبا آخر يتصل بالوعى الاجتماعى الذى يكتسبه المرء منذ نعومة أظافره فى المدرسة ثم الجامعة، ويتصل بادراك طبيعة وتكوين المجتمع، والإسهام فى تنميته، والنظرة الإنسانية تجاه الفئات الضعيفة والمهمشة والأولى بالرعاية. ويؤدى غياب التربية المدنية إلى ممارسات مذمومة تصل أحيانا إلى حد الجرائم مثل التنمر والعنف بين الأقران والمخدرات وخلافه.
ثانيا: تعليم حقوق الإنسان، وهو احد أهداف الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها السيد رئيس الجمهورية فى 11 سبتمبر 2021، حيث يتعلم النشء قيم وممارسات حقوق الإنسان منذ الصغر، ويدرك المفهوم العميق للحق والواجب. ورغم ان هناك تجارب تتصل بتدريس حقوق الإنسان فى مؤسسات التعليم المصرية خاصة الجامعات منذ أكثر من عقدين من الزمن، إلا أن هناك انتقادات تحيط بهذه التجربة، التى باتت تحتاج دون شك الى مراجعة بهدف التطوير، ونحن على أعتاب وضع إستراتيجية جديدة لحقوق الإنسان بعد انتهاء مدة الإستراتيجية الحالية عام 2026. وهناك جدل فى هذا الخصوص يحتاج الى حسم بين الخبراء هل تحتاج حقوق الإنسان إلى مقرر منفصل ام تنساب بين ثنايا المقررات الموجودة، بحيث يصبح لها جميعا منحى حقوقي؟.
ثالثا: التربية الاعلامية، وهى تشكل أهمية خاصة فى تكوين النشء والشباب على العقل النقدى فى التعامل مع وسائل الإعلام خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، والتى تحيط الأجيال الصغيرة، الأكثر استخداما للفضاء الالكتروني، بكم هائل من المعلومات بعضها حقيقي، وبعضها زائف، يرتبط بنشر الشائعات والأخبار المفبركة، والثقافة الجنسية المشوهة، كل ذلك يقتضى تربية اعلامية تقدم لطلاب المدارس والجامعات ضمن المقررات الدراسية. وقد لفت انتباهى منذ أيام خبرا عن قيام نحو ثمانين عضوا فى مجلس النواب التونسى بتقديم مشروع قانون حول التربية الاعلامية فى المدارس، وذلك على غرار دول أخرى مضت فى هذا الطريق مثل استراليا والفلبين والأردن وغيرها.
رابعا: الثقافة العلمية التى لا تتصل بتخصص أدبى او علمي، لكنها صارت جزءا من تكوين الإنسان المعاصر، مثل الذكاء الاصطناعي، تطور الأوبئة والأمراض وطرق الوقاية منها، والتنمية بمختلف أبعادها، وغيرها من الموضوعات المتجددة التى باتت تندرج تحت لافتة الثقافة العامة، فى سياق من الحداثة التى تجعل المعرفة العامة تتسع لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع، دون أن تقتصر على النخبة، لاسيما أن من ضرورات التفاعل مع الواقع اليوم هو الإلمام بها، مثل التعامل مع العالم الرقمى والذى لم يعد يرتبط بتخصص علمى أو مستوى معين فى التعليم، بل كل شخص ينبغى أن يلم بثقافة رقمية حتى يستطيع إدارة شئون حياته اليوم.
الخلاصة ان هذه القضايا وغيرها، تتصل بتكوين ثقافة ووجدان المرء، وهى تعبر فى جوهرها عن التعليم الحديث الذى يقوم على نسق مفتوح، دون عزلة أو أسوار اجتماعية فى العلاقة مع المجتمع المحيط، خلافا للنمط المغلق الذى يجعل من المؤسسة التعليمية منشأة بيروقراطية، مغلقة، تحيط بها محاذير الانفتاح الذى بات فرض عين فى المجتمع الحديث.
نقلا عن الاهرام