القمص يوحنا نصيف
"أنا ساهر على كلمتي لأجريها" (إر12:1)
هذه كانت كلمات الله لإرميا النبي في بداية خدمته، لكي يَطْمَئنَّ أنّ الله راعٍ ساهر.. ساهر على حراسة كنيسته، ساهر على تدابير خلاصنا، ساهر على كلمته ليجريها فتروي كلّ نفس، ويَشبَع شعبُه من دسم نعمته!
الحقيقة أنّ الكلمة المكتوبة المقروءة لها أهمّيّتها الكبرى في بناء النفس في المسيح.. كما يعلِّمنا الروح القدس في الإنجيل في أكثر من موضع..
فنسمع مثلاً معلّمنا بولس الرسول يقول للرعاة في منطقة أفسس وما حولها، وهو يخاطبهم خطابه الوداعي: "أستودعكم يا إخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثًا مع جميع المُقَدَّسين" (أع32:20).. فكلمات النعمة تبني النفس وتقودها إلى ميراث أبدي مجيد..
وأيضًا ينصح القديس بولس أهل كولوسي بأن يَشبعوا من كلام المسيح قائلاً: "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى، وأنتم بكل حكمة معلّمون ومنذرون بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنّمين في قلوبكم للرب" (كو16:3)..
كما يوصينا القديس يعقوب بالروح القدس أن نفتح قلوبنا باتّضاع لاستقبال كلمة الله كبذرة حيّة لها قدرة على قيادتنا لخلاص نفوسنا إن عملنا بها، فيقول: "اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخَلِّص نفوسكم، ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يع21:1-22).
وكلّنا نعلم أنّ ربنا يسوع المسيح -له المجد- بعدما قدّم للجموع عظته الخالدة على الجبل، قال في نهايتها: "كلّ من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشّبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر" (مت24:7).. فمَن يؤسِّس حياته على العمل بكلمة الله تكون حياته قويّة وثابتة، ومهمّا عصفت به الضيقات فلنّ تحطّمه، لأنّ حياته مسنودة على وصايا الله ووعوده.
أيضًا في حديث ربنا يسوع عن ملكوت الله، شبّهه بحبّة خردل صغيرة، ولكنّها متى نمَتْ تصير شجرة عظيمة تتآوَى طيور السماء في أغصانها.. وشَبَّه أيضًا ملكوت الله بخميرة صغيرة وُضِعَت في أكيال دقيق، وكانت سبب بركة للعجين كله.. (مت13). هكذا دائمًا عمل الله وبناء ملكوته داخل النفس؛ يبدأ صغيرًا وينمو، إذ يسقيه الله من روحه فيكبر ويتعاظم جدًا، حتّى يظلِّل على الكثيرين!
وأخيرًا، هناك معنى آخَر للآية "أنا ساهر على كلمتي لأجريها" (إر12:1)، وهو أنّ الله عندما يقرّر أمرًا أو يقول شيئًا أو يُقَدّم وعدًا، فهو ملتزم بتتميمه في الوقت المحدّد له.. وهكذا في كلّ وعوده وتدابيره في حياتنا، هو ساهر عليها لكي يجعلها تتمّ بالكامل بدون نقص أو تأخير!
من أجل هذا، فإنّ أولاد الله حريصون باستمرار على التغذّي والارتواء بكلامه المحيي، وهم واثقون من تحقيق وعوده لهم، وأنّ الكلمة الإلهيّة التي يبنون حياتهم عليها بإيمان كامل، سوف تَبِثُّ فيهم الحياة الأبديّة، وتقودهم بنجاح لتحقيق مشيئة الله المجيدة لهم.. وهذا ما يؤكّده كلام الله في سِفر إشعياء النبيّ: "لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ" (إش55: 10-11).
القمص يوحنا نصيف