كمال زاخر
ظني اننا ككنيسة مشرقية نعيش ونمر بما يمكن أن  نسميه لحظة صدمة ما قبل الاستنارة؛ والتي فيها يتواجه داخلنا ما وقر في الذهن من صور طوباوية تقترب من الاسطورية، عن المجال الكنسي، خاصة فيما يتعلق بالرتب الكهنوتية بمجملها، وبين الواقع المعيش المحكوم بنوازع واحتياجات وطبيعية كونهم بشراً.
 
تلك الصور انتزعتهم، في الذهن المتلقي، من انسانيتهم، الطبيعية، واعتقلتهم في صور منزهة معقمة وكادت ان تؤلههم، وتضع المستنيرين منهم والأمناء في سعيهم لخدمة رسالة الخلاص، في أزمة، وصراع مكتوم بين امانتهم وبين اختلالات المنظومة. 
 
 ووجد هذا الانتزاع قبولاً لدى العقل الجمعي، ليس عن غفلة في أغلب الأحوال، وانما لأسباب مختلفة.
 
ربما قياساً على تصورات تعليم ما - تغلغل - عن الصورة التي رسمها الكتاب لخادم الرب وقد تصاعد في الذهن الربط بينهم وبين من دعاهم لخدمته، أو سعوا هم لخدمته، بدعوة أو بتطلعات ذاتية.
 
وربما بدافع سيكلوچية الأقلية، والفكر العائلي الأبوي، وكلاهما يرفض قبول أي اقتراب من رموزه أو النظر اليهم من منظور بشري، يردهم إلى طبيعتهم الإنسانية، ولا يقبل ان يتبدى منهم اوجه الضعف الطبيعية، ويستصعب فهم أو القبول بخضوعهم للنمو النفسي والروحي، وطبيعية التجربة والخطأ.
وثمة كتابين كنسيين اسهما في تكريس الأزمة، ويحتاجان لمراجعة وتنقيح، السنكسار وبستان الرهبان، وثمة مساع نشهدها في هذا التوجه. علي المستويين الكنسي والديري. 
 
وعمق المفاهيم المغلوطة ما يتواتر على صفحات العالم الافتراضي من حكاوي المعجزات والطوباوية التي تلاحقنا عن الكهنة والرهبان، وقد نجحت الرهبنة - بامتداد عقود قريبة - في فرض انساق حياتها علي الحياة خارج اسوار الاديرة، بينما تفتقدها داخلها، حتى يمكننا القول بان عديد من الأديرة صارت تضم رهباناً لكنها تفتقر للرهبنة. وخارج اسوارها تتمزق الأجيال الغضة بين اطروحات طوباوية محلقة فى السماء وانين معاش تحت ضغط الطبيعة البشرية واحتياجاتها وصراعاتها اليومية.
 
لحظة الصدمة هذه والتي يمر بها كثيرون، يمكن ان تكون مدخلاً لاستنارة تعيد وضع الأمور في نصابها، فيحول تعلقنا بخادم الرب الى ارتباط بالرب نفسه، ومعه نكتشف عمق العبادة وعمق الكنيسة التي تقدم لنا عبر منظومة عقائدها، وطقوسها المبدعة، سُبل معرفة الله الثالوث ولاهوت التجسد وتربطنا بوسائط الخلاص التي تقودنا للارتباط بالمسيح الذي بتجسده كشف لنا سر الملكوت، ولم يتوقف عن تعليمنا اسرار الأبدية، وقدم نفسه نموذجا لماهية الخادم في اتضاعه حتى إلي غسل ارجل تلاميذه، لنقتض به، وترجم بموته وقيامته عمق محبة الله لنا. وفيه صرنا اعضاء جسده من لحمه ومن عظامه. بل وورثه به ومعه للملكوت. ما أسعدنا.
 
ومعها نكتشف أن الحاجة الى واحد، ينير الذهن وينعش الروح ويقودنا إلي النور.
 
دعونا نصلي من اجل سلامنا وسلام الكنيسة واستنارة خدامها، في مناخات مناوئة عنيفة، عسى ان نعبر من الصدمة إلى الاستنارة.