نيفين سوريال
في عالم اليوم، كثيرًا ما تُطرح مسألة “تحكم المرأة بالرجل” في إطار اجتماعي أو نسوي، لكن القارئ المؤمن يحتاج أن ينظر إلى الأمر من منظور إلهي. الكتاب المقدس لا يقدم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس صراع قوى أو سيطرة، بل على أساس شراكة محبة واحترام متبادل، كلٌ في دوره ووظيفته بحسب قصد الله.
أولاً: التصميم الإلهي للعلاقة بين الرجل والمرأة:
عند قراءة سفر التكوين، نجد أن الله خلق المرأة من ضلَع آدم، لا من رأسه حتى لا تتسلّط عليه، ولا من قدمه حتى لا يُداس بها، بل من جنبه، قريبًا من قلبه، لتكون معينًا نظيره
وقال الرب الإله: ليس جيدًا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره. – (تكوين 2:18) هذا المبدأ يلغي تمامًا أي فكرة عن أن الله قصد أن تسيطر المرأة على الرجل، أو العكس. بل قصد الله أن تسود بينهما محبة، خدمة، وتكامل في الأدوار.
ثانيًا: نتائج السقوط – بداية صراع الأدوار:
بعد السقوط في الخطية، تغيرت علاقة الرجل بالمرأة. ومن بين ما قاله الرب لحواء:
وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك. – (تكوين 3:16) هذه الآية ليست أمرًا أو وصية، بل هي نتيجة السقوط، أي أن العلاقة بين الرجل والمرأة ستشوبها الرغبة في السيطرة من جانب المرأة، والسلطة من جانب الرجل. ومن هنا بدأ الصراع الذي نراه حتى اليوم.
لكن المسيح، بالفداء، ردّنا إلى الأصل، أي إلى العلاقة التي فيها الرجل يحب. والمرأة تحترم، دون تسلّط أو صراع.
ثالثًا: الآيات التي توضح ترتيب العلاقة:
١. أفسس 5:22-25
أيها النساء، اخضعن لرجالكن كما للرب… أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها. هذه ليست آيات تشجع على الاستعباد، بل دعوة إلى خضوع المرأة المحبّ، ومحبّة الرجل المضحّية. هذه علاقة متبادلة في المسؤولية والتضحية.
٢. 1 كورنثوس 11:3
رأس كل رجل هو المسيح، ورأس المرأة هو الرجل، ورأس المسيح هو الله. الله وضع ترتيبًا روحيًا، لا ليقلل من قيمة المرأة، بل ليكون هناك نظام، انسجام، ومسؤولية داخل الأسرة.
رابعًا: عندما تتحكم المرأة في الرجل – النتائج:
من الناحية النفسية والروحية، عندما تتجاوز المرأة حدود دورها وتبدأ في التحكم في الرجل، فإن ذلك يؤدي إلى:
1. اهتزاز دور الرجل وفقدانه لهويته كقائد ومسؤول في الأسرة، مما يؤثر على ثقته بنفسه وعلى قراراته.
2. اضطراب العلاقة الزوجية وغياب السلام الداخلي في البيت، مما يؤدي إلى بيئة مشحونة ومتوترة.
3. انعدام الثقة بين الطرفين، حيث تشعر المرأة بأنها تقوم بكل شيء، بينما يشعر الرجل بأنه مرفوض أو غير موثوق به.
4. زيادة الخصام والجدال المستمر، وهو ما حذّر منه الكتاب: “العيش في زاوية من السطح خير من امرأة مخاصمة” – (أمثال 21:9)
5. تشويه صورة الزواج المسيحي، الذي من المفترض أن يعكس علاقة المسيح بالكنيسة في المحبة والخضوع المتبادل.
6. انقلاب الأدوار داخل الأسرة، مما يؤدي إلى تداخل في الوظائف وفوضى في اتخاذ القرارات.
7. انسحاب الرجل عاطفيًا أو نفسيًا، فيدخل في حالة من اللامبالاة أو الهروب من البيت أو حتى الخيانة، نتيجة فقدان الإحساس برجولته واحترامه
خامسًا: صفات المرأة الحكيمة حسب الكتاب المقدس:
١. الخضوع بدافع المحبة لا الضعف
الخضوع لا يعني أن تكون المرأة أقل، بل أن تثق بأن الله يعمل من خلال ترتيب العلاقة.
٢. التأثير بصمت وحكمة
ليربحوا بسيرة النساء بدون كلمة، ملاحظين سيرتكن الطاهرة بخوف – (1 بطرس 3:1-2)
المرأة الحكيمة لا تتحكم بلسانها، بل بسلوكها الهادئ الوديع، الذي يؤثر في الرجل أكثر من أي جدال.
٣. المرأة الفاضلة هي تاج لزوجها
المرأة الفاضلة تاج لزوجها – (أمثال 12:4)
هي لا تسيطر عليه، بل ترفعه وتكرّمه أمام الناس والله.
٤. تستخدم كلماتها للبنيان لا للهدم
الموت والحياة في يد اللسان – (أمثال 18:21)
المرأة التي تتحكم قد تهين زوجها بالكلام أو التقليل من شأنه، لكن الحكيمة تزرع فيه الشجاعة والإيمان.
سادسًا: هل يعني هذا أن المرأة لا تقول رأيها؟
أبدًا. المرأة في الكتاب المقدس كانت مستشارة ناضجة في كثير من المواضع:
• أبيجايل أنقذت بيتها بكلمات حكيمة دون أن تسيطر (1 صموئيل 25)
• ديبورة قادت شعبًا بنعمة الله، لكن بروح الخضوع لله لا بالتسلّط على الرجل (قضاة 4)
• استير غيّرت مجرى التاريخ بحكمة وصوم وصلاة، لا بتحكم
سابعًا: دعوة إلى التوازن والنعمة
المرأة لا تُدعى للسيطرة، بل للتأثير المقدّس، بالحكمة والوداعة. والرجل لا يُدعى للهيمنة، بل للمحبة والتضحية. حينما يفهم كل طرف دوره، يتحوّل البيت إلى كنيسة صغيرة، يشعر فيها الطرفان بالأمان والاحترام.
خاتمة
تحكم المرأة بالرجل ليس من فكر الله، بل من تشويه إبليس لدور المرأة والرجل. المسيح جاء ليعيد كل دور إلى مكانه. دعوتكِ كامرأة مؤمنة ليست أن تسيطري، بل أن تبني بيتك بحكمة، وتدعمي زوجك بمحبة، وتؤثري فيه بقوة صلاتك ووداعتك. الحكمة بنت بيتها، والجهالة هدمته بيدها – (أمثال 14:1)