الأب رفيق جريش
نرى اليوم بأم أعيننا هزيمة السلام أمام طغيان الطغاة وحروبهم وانعدام الإنسانية، فالإنسان أمام المصالح لا حُسبان له، فنرى هذه الحرب التى نشهدها والتى قد يتسع نطاقها، ارتدادات مباشرة على بعض دول المنطقة، والتى تسعى إلى تحييد انعكاسات تلك الارتدادات على أمنها واستقرارها، خاصة فى ظل وجود فاعلين من غير الدول يسعون إلى الانخراط فيها بمستويات مختلفة.
تدخل منطقة الشرق الأوسط فصلًا جديدًا من التصعيد الخطير بعد الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة، سواء على الأمن والاستقرار والسلم العالمى والإقليمى، أو ارتدادات اقتصادية سلبية على دول المنطقة وعلى الاقتصاد العالمى.
ولا شك فى أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية يُعد انتهاكًا للقانون الدولى وتصعيدًا خطيرًا، ويضع المنطقة على شفا حفرة من نار، حيث يُغذى الصراع ويطيل أمد الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وبالتالى يُهدد بتفجر الأوضاع فى المنطقة.
استخدام القوة فى العلاقات الدولية لحل الخلافات يمثل تطورًا خطيرًا وخروجًا على ميثاق الأمم المتحدة، الذى يُحظر استخدام القوة فى العلاقات الدولية، ويؤكد ضرورة التسوية السياسية للأزمات والصراعات بين الدول.
وفى هذا الإطار، من المهم تجنب التصعيد من جميع الأطراف، خاصة من الجانب الإسرائيلى والأمريكى، وأن تتم العودة سريعًا إلى المسار التفاوضى لحل أزمة البرنامج النووى الإيرانى، فى الإطار الذى يضمن لإيران حق تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، ويُجنب المنطقة ويلات حرب إقليمية تلوح فى الأفق.
وربما يُفسر كل ما سبق أسباب مسارعة العديد من الدول، وفى مقدمتها مصر، إلى الدعوة لإنهاء الحرب الحالية التى يمكن أن تتسبب فى تفاقم حالة عدم الاستقرار على المستوى الإقليمى، خاصة أن هناك حربًا أخرى تجرى فى المنطقة، ولم تصل إلى نهايتها رغم دخولها شهرها الحادى والعشرين، وهى الحرب التى تشنها إسرائيل فى قطاع غزة، والتى ما زالت تُعرقل كل الجهود التى تُبذل من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بشكل يوقف المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطينى، ويُهيئ المجال أمام بدء مرحلة التعافى وعملية إعادة إعمار القطاع.
تلك الحروب، وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية، تؤكد ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولى ليضطلع بدوره بفاعلية فى حفظ السلم والأمن الدوليين، ومعالجة الخلافات والأزمات المشتعلة فى كثير من مناطق العالم.
إن منطقة الشرق الأوسط لا تحتمل تداعيات حرب إقليمية واسعة، خاصة إذا استكملت أمريكا وانخرطت فى الحرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران، فالمنطقة عانت تداعيات تلك الحروب، سواء من الناحية السياسية والأمنية وتصاعد خطر الإرهاب، أو من الناحية الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وتضرر الملاحة والتجارة الدولية، خاصة فى البحر الأحمر وقناة السويس، وتزايد التصعيد فى المنطقة والتداعيات السلبية الاقتصادية فى ظل احتمالات إغلاق مضيق هرمز، وانعكاسات ذلك على التجارة العالمية وصادرات النفط.
من المهم تغليب منطق الحكمة ولغة العقل، وعدم الانجرار إلى مزيد من التصعيد، وهذا ما تؤكده مصر التى أثبتت الأحداث مصداقية وحكمة مقاربتها فى تحقيق الأمن والاستقرار، من خلال حل الصراعات من جذورها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فالحلول يجب أن تعمل معًا فى حزمة واحدة، أى البرنامج النووى الإيرانى والإسرائيلى، مع حل للقضية الفلسطينية وحل الدولتين، وإنهاء المجازر اليومية فى غزة. وهنا أفتح قوسًا وأتساءل (كيف يمكن لمسؤول أن يأمر بتلك المجازر وإطلاق القنابل على المدنيين وينام ملء جفونه، ألا يُصاب بقلق الضمير ولو للحظات؟ ثم أغلق القوس). ومن ثم، يمكن القول، إن السبيل الوحيد لحل الأزمات فى المنطقة هو الدبلوماسية والحوار. هذا فضلًا عن المطالبة المصرية ضمن أعمال اجتماعات جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى، بضرورة الامتناع عن استهداف المنشآت النووية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفق قرارات الوكالة، وقرارات مجلس الأمن، لما يمثله ذلك من خرق سافر للقانون الدولى، والتحذير من مخاطر الانبعاثات النووية وتسربها فى الإقليم، وما يترتب عليها من آثار إنسانية وبيئية مدمرة، وكذلك أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وفقًا للقرارات الدولية. كما تعمل مصر، والقوى الإقليمية المتضررة من حلقة النار فى الشرق الأوسط، على احتواء التأثيرات الاقتصادية لتلك الحروب.
نقلا عن المصرى اليوم