نادر شكري
"لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا يصلّون"... هكذا كانت الكلمات الأولى على ألسنة الناجين من تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق اليوم، وهي الكلمات ذاتها التي سمعناها قبل سنوات، في 11 ديسمبر 2016، حين هزّ تفجير كنيسة البطرسية في القاهرة ضمير العالم.
ويظهر الواقع متشابه نفس السيناريو، عندما يذهب أبرياء للصلاة في حرم الله، فتتحول صلواتهم لصراخ وبكاء ودماء ..ففي كنيسة البطرسية، فجّر انتحاري نفسه داخل الكنيسة خلال قداس الأحد، وأسفر الهجوم أكثر عن 29 شهيدًا، معظمهم من النساء والأطفال.
وفي كنيسة مار إلياس، تكرّر المشهد المأساوي صباح اليوم، حيث فجّر انتحاري حزامًا ناسفًا وسط المصلين، موقعًا ما لا يقل عن 20 شهيدًا و30 مصابًا، بينهم أطفال ونساء.
الفرق الوحيد أن الأولى وقعت في مصر، والثانية في سوريا… أما الألم، فمشترك. والدم واحد، والبراءة واحدة، والمصلّون في الحالتين لم يحملوا سوى الشموع، لا البنادق.
في البطرسية، كانت الطفلة "ماجي" رمزًا لبراءة قُتلت بلا سبب، وفي مار إلياس، ظهرت صورة طفلة جريحة وحيدة، تبكي بعد أن فقدت أسرتها، وكأن الصلاة أصبحت جريمة.
وفي لحظة واحدة، سقطت الأجساد على أرض الكنيسة، وسقط معها ما تبقى من وهم أن دور العبادة مصونة. لم تكن مار إلياس مجرد مبنى حجري، بل كانت حضنًا للروح وملجأً للإيمان وذاكرة لأجيال تنتمي إلى هذه الأرض منذ قرون. واليوم، بات الصليب ملطخًا بالدم، والأيقونات شاهدة صامتة على جريمة لا تعرف الرحمة.
رحلت أجساد، وبقيت الأرواح تئن في صمت. وبين الركام، تهمس الجدران: من يصلي بعد اليوم؟ ومن يضمن أن صلاة الغد لن تكون آخر ما يُسمع قبل الانفجار؟
في كنيسة مار إلياس... سالت دماء، وسُرقت طفولة، وذُبحت براءة، لكن الإيمان لا يُقتل. سيبقى، حتى إن انطفأت الشموع، لأن هناك من لا يزال يهمس من بين الأنقاض: "يا رب، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"، وفي الحالتين، لم تكن الكنيسة المستهدفة مجرد مبنى، بل بيتًا للإيمان والأمان… فإذا لم يعد بيت الله آمنًا، فأين يلجأ الأبرياء؟