الأب رفيق جريش
منذ سنتين ويزيد نعيش فى جو من الحروب ذات طابع دولى، أولًا حرب روسيا وأوكرانيا، ثم الحرب والقتل والدمار فى غزة مع تجويع شعبها، وأيضًا جنوب لبنان: اعتداءات وقتل واغتيالات، وأيضًا فى اليمن، ومن اليمن، وحرب أهلية فى السودان. جو ملبد بغيوم من البارود، ومنطقتنا لم تعد فى حاجة ولم تعد تتحمل حربًا جديدة تتصاعد يوميًا وعلى جبهات كثيرة، والمرشحة أن تستمر لفترة طويلة.
ومن هنا تبرز أهمية التحرك الدولى لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران التى قد تتوسع إلى حرب شاملة، والتى سيكون عواقبها أشد على المنطقة وعلى العالم. فقد تتجه منطقة الشرق الأوسط إلى مستقبل مجهول بعد اشتداد حدة المواجهات العسكرية بين إسرائيل وطهران إلى حرب مفتوحة تلقى بتأثيراتها ليس على الحدود الجغرافية للدولتين، وإنما تمتد إلى الإقليم ككل، وهو ما عبر عنه البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية حينما أشار إلى أن ما حدث «سيؤدى إلى مزيد من إشعال فتيل الأزمة، ويقود إلى صراع أوسع فى الإقليم، وينتج عنه تداعيات غير مسبوقة على أمن واستقرار المنطقة»، كما شددت الخارجية المصرية على أن هذا العمل العسكرى وما سينتج عنه من تداعيات «يعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ، ويهدد بانزلاق المنطقة بأكملها إلى حالة من الفوضى العارمة».
يتزايد التصعيد بين إسرائيل وإيران مع استمرار، وتوسيع عمليات الاغتيالات والاستهداف المتبادل بينهما، وتنذر بحرب شاملة، سيكون لها تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، والتداعيات لن تقتصر فقط على طرفى الحرب، وإنما ستمتد أيضًا إلى دول المنطقة، سواء تداعيات أمنية فى تهديد السلم، أو تداعيات اقتصادية مع ارتفاع أسعار النفط وتوقف السياحة، وإعاقة عملية التنمية، ومخاطر توسع الصراع، خاصة فى الخليج العربى وخليج هرمز، واحتمالات تأثر إمدادات النفط العالمية.
لقد حذرت مصر مرارًا ومبكرًا من مخاطر توسع الصراع الإقليمى، لما فيه من تداعيات خطيرة على المنطقة، وأكدت المقاربة المصرية ضرورة إزالة مسببات الصراع من جذوره، وعلى رأسها وقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وحل القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، لأنها مفتاح الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، وكل الأزمات والصراعات الأخرى بما فيها الصراع والحرب الإسرائيلية الإيرانية ما هى إلا عرض لمرض أساسى، وهو غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية.
علاوة على تأكيد احترام السيادة الداخلية للدول الوطنية، وعدم استباحتها، فضلًا عن تأكيد مصر أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لأى دولة فى المنطقة، بما فى ذلك إسرائيل، وإنما يتحقق ذلك فقط من خلال احترام سيادة الدول، ووحدة وسلامة أراضيها، وتحقيق العدالة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية. ينسجم حرفيًا مع توجهات والتحركات السياسة الخارجية المصرية، الرامية إلى فرملة التصعيد الإقليمى، ورفض الحلول العسكرية، وتعزيز الخيارات السلمية التفاوضية، سواء بين القوى الإقليمية المتنازعة، أو الأطراف المحلية المتصارعة، كمحددات حاكمة للاستقرار فى الشرق الأوسط.
إن الرؤية المصرية بما تمثله من صوت العقل والاتزان والرشادة، تحتاج إلى من ينصت إليها ويتفاعل معها بإيجابية قبل فوات الأوان، لأن منطقة الشرق الأوسط لا تحتاج إلى اتساع نطاق الصراع فى الإقليم، واشتعال المزيد من كرات النار المتدحرجة، بما يعزز مسار الفوضى الذى تتجه إليه المنطقة، ويقلل من فرص التسوية للنزاعات الداخلية والصراعات البينية الإقليمية، ويعطى ذريعة للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة لانتهاز الفرصة السياسية، لمواصلة نشاطها العابر للحدود الرخوة، ويقلل من الجهود التنموية، ويقضى على مستقبل حصادها من قبل نخب سياسية وقوى مجتمعية متطلعة لمستقبل أفضل.
من المهم تغليب لغة العقل والحكمة، وحل الخلافات بالطرق السلمية، والعودة مرة أخرى إلى المسار التفاوضى حول البرنامج النووى الإيرانى، وهنا تبرز مسؤولية الولايات المتحدة، التى قدم رئيسها بأنه صانع سلام، فى التحرك بفاعلية، والضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلى لوقف تصعيدها، خاصة أن حكومة نتنياهو تسعى لإشعال الحرائق فى المنطقة. وقد أثبت الرد الإيرانى، واستهداف الصواريخ الإيرانية للعمق الإسرائيلى، أن منطق القوة والعدوان لا يمكن أن يحقق أى أهداف، وفى الحروب الكل خاسر، والإنسانية تصرخ، والسياسيون لا نأخذ منهم غير الكلمات.
ولابد من تحقيق التهدئة، ووقف تلك الحرب، وتسوية القضايا العالقة، خاصة الملف النووى الإيرانى عبر المفاوضات، لأن فى هذه الحرب الكل خاسر، والمنهزم الأوحد هو السلام.
نقلا عن المصرى اليوم