ماجد سوس
وسط ذهول المجتمع الأمريكي، تصاعد الخلاف العلني بين الرئيس دونالد ترامب ورجل الأعمال الشهير إيلون ماسك إلى مستوى غير معهود، بعد أن كانا حتى وقت قريب متقاربين في المواقف ومتحالفين في عدد من الملفات. بدأت الأزمة حينما انتقد ماسك مشروع قانون الضرائب الجديد الذي يدعمه ترامب، والمعروف باسم "مشروع القانون الكبير الجميل" (One Big Beautiful Bill)، واصفًا إياه بأنه "كارثة مقززة" لأنه يزيد من العجز الوطني ويُلغي الحوافز المخصصة للسيارات الكهربائية، مما يُؤثر بشكل مباشر على شركة تسلا التي يملكها ماسك. رد ترامب كان حادًا، حيث صرّح بأن ماسك "فقد صوابه"، وهدد بإلغاء العقود الفيدرالية الممنوحة لشركات ماسك، مثل تسلا وسبيس إكس، مشيرًا إلى أن ماسك "كان دائمًا في حاجة إليه أكثر مما هو في حاجة إلى ماسك".
 
تتابعت الضربات المالية والمعنوية على ماسك، بدءًا من رهانه الخاسر بـ20 مليون دولار على مرشح المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن، المؤيد لترامب، ثم الانخفاض التاريخي في مبيعات شركة تيسلا بنسبة 13%، في وقت ارتفعت فيه إيرادات المنافسين بنسبة 60%. كما نُقل عن مصادر في حملة ترامب الانتخابية أن ماسك تجاوز فترة الترحيب به في واشنطن. ومع تفاقم الخلاف، تصاعدت حدة التصريحات، فوصلت إلى اتهامات مباشرة من ماسك بحق ترامب، قال فيها إن الرئيس السابق يخفي معلومات متعلقة بجيفري إبستين، رجل الأعمال المتهم بقضايا استغلال جنسي، وأن هذه المعلومات لم تُنشر لأن ترامب مذكور فيها، داعيًا إلى عزله ومنعه من العودة إلى السلطة.
 
ذروة التصعيد وقعت يوم الخميس الماضي، عندما هدد ترامب علنًا بإلغاء جميع العقود الحكومية مع ماسك، في حين رد الأخير بمنشورات لاذعة على منصته "إكس"، ساخراً من تهديدات ترامب وقائلًا: "هيا، أسعدني". زاد التوتر مع إعلان شركة سبيس إكس عن البدء بتفكيك المركبة الفضائية التي كانت تُستخدم لنقل رواد الفضاء والبضائع إلى محطة الفضاء الدولية لصالح وكالة ناسا. وفي خضم هذا التوتر، خسرت تسلا أكثر من 14% من قيمتها السوقية، ما أدى إلى خسارة تُقدّر بنحو 150 مليار دولار، خسر منها ماسك شخصيًا حوالي 20 مليار دولار.
 
هذا الخلاف الذي انكشف بسرعة وكثافة وعلى العلن، أخذ أبعادًا سياسية واقتصادية عميقة. فمع تصاعد المواجهة، بدأت تظهر تساؤلات حول تأثيره المحتمل على مواقف الجمهوريين في الكونغرس، لا سيما أن ماسك قد يمثل غطاء مؤثرا معنويا وربما ماليًا لمن يعارضون مشروع قانون ترامب الضريبي من داخل الحزب. وبينما يتوعد ماسك ترامب بمزيد من الإجراءات، يبدو أن المعارضة الديمقراطية تراقب بصمت، مستفيدة من الانقسام الجمهوري الداخلي. وفي ظل امتلاك ماسك لمنصات إعلامية قوية وشركات تكنولوجية فضائية مؤثرة، فإن استمرار هذا الخلاف قد يشعل فصلًا جديدًا من التوتر السياسي في أميركا. وكما قال ماسك على "إكس": "لم يتبقَّ لترامب سوى ثلاث سنوات ونصف، لكنني سأبقى في السلطة لأكثر من أربعين عامًا. أيامٌ مثيرة قادمة".
 
ما تكشفه هذه المواجهة العنيفة بين ترامب وماسك، أن الخلاف بينهما ليس مجرد خلاف عابر بين سياسي ورجل أعمال، بل هو تذكير صارخ بأن الصداقة في السياسة ليست إلا تحالفًا مؤقتًا تحكمه المصالح لا المبادئ. من كان يومًا حليفًا مقرّبًا، قد يتحوّل في لحظة إلى خصم علني، حين تتغيّر المصالح أو تتصادم الطموحات. ومع امتلاك كل طرف ما يكفي من النفوذ والوسائل لتأليب الرأي العام، فإن القادم قد يكون أكثر تصعيدًا، وقد يترك آثارًا طويلة الأمد على الاقتصاد، وعلى شكل التحالفات السياسية داخل واشنطن. فكما تتغيّر الفصول، تتبدّل الوجوه في السياسة، ويبقى الدرس الأهم: لا صداقة تدوم حين تنكسر الثقة، ولا تحالف يبقى حين يصطدم بالسلطة والطموح.