بقلم د . ق يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
  وعضو إتحاد كتاب مصر 
ذكرت مدام بوتشر في كتابها تاريخ الأمة القبطية صـ7 أنَّ العائلة المقدسة اجتازت مباشرة من الفرما إلى القنطرة شرق. أنَّ مدينة القنطرة شرق اسم جديد استُحدِثَ بعد حفر قناة السويس واتخذت شهرتها بمرور خط السكة الحديد من مصر إلى فلسطين ومن القاهرة إلى بورسعيد متوقفًا في القنطرة غرب.
 
دير العذراء  شرق الفرم
يقع دير العذراء شرق الفرما فوق تل مرتفع عن الأرض الطبيعية حوالي 6 م تقريبًا على الطريق الساحلي الشمالي لسيناء.   
 
ذكره المسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر: "يوجد شرق الفرما دير للأقباط لاستضافة الغرباء". 
 
ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان: "كان بالفرما أكبر مجمع للرهبان الأقباط"، وكان الدير تابعًا لأسقفية الفرما وهي من أقدم أسقفيات مصر.
 
كان الدير مزارًا ومحجًا للمسيحيين المصريين أثناء زيارتهم للقدس، وأحد أماكن الإقامة أيضًا للاستراحة والمبيت للمارين على الطريق أثناء رحلات الحج والزيارة لأماكن العبادة بسيناء والقدس، ويزيد من أهمية الدير أنه يقع في أهم المدن والمحطات الواقعة على طريق العائلة المقدسة.
 
ترهب في هذا الدير الناسك القديس العالم إيسيذورس الفرمى وهو من مواليد الإسكندرية وأصبح رئيسًا للدير وتنيح فيه 449 م. ومن نفس الدير أرسل منه آلاف من رسائله المشهورة إلى ملوك وبطاركة وأساقفة وولاة وعظماء وأغنياء عصره، تارة يذكرهم فيها بمبادئ الآداب القومية ومقومًا اعوجاجهم، وحينًا مرشدًا أو معزيًا، ولذلك كانوا يطلقون عليه (معلم المسكون) ومع أنه كان راهبًا بسيطًا في دير بسيط بعيدًا عن مراكز السلطة الدينية والزمنية ولكن كان صوته مسموعًا جدًا لا عند أكابر مصر فحسب بل في أنحاء العالم الأخرى من المسكونة. وهو قاطن في قلايته في ذلك الدير ولا يخشَ من أنْ يقرع في رسائله عند الضرورة بطريرك عصره وهو الأنبا توفيلوس والأنبا كيرلس لعيوبهما وسوء تصرفهما رغمًا عن صلة القرابة التي كانت تربطه بهما. 
 ويُذكَر أنه عندما انتشر خبر وفاة الأنبا أنطونيوس الكبير فى عام 356 م. وبلغ النبأ تلميذه القديس هلاريون مؤسس الرهبنة في الشام قام من ديره بجوار مدينة غزة بصحبة أربعين راهبًا من تلاميذه وساروا إلى جبل القلزم ليقوموا بواجب العزاء نحو ذلك الراحل العظيم معلمهم وكوكب البرية فمروا في طريقهم على مدينة الفرما واستراحوا وباتوا في ذلك الدير ثم استأنفوا السير إلى جبل القلزم في اليوم التالي. 
 
ولا يوجد ما يدلنا على مصير الدير بعد نياح مؤسسه القديس إيسيذورس الفرمي وكم من الزمان ظل قائمًا، إلَّا أنَّ الخراب الكبير الذي أتى على الدير ومعظم الأديرة المصرية وكنائسها قد حدث خلال الغزو الفارسي لمصر سنة 616 م. وظلوا يحتلون مصر حتى عام 629 م. حين أجبرهم الإمبراطور هرقل على الرحيل عنها، ولقد قدَّرَ بعض المؤرخين الأديرة والكنائس التي خربها الفرس بالإسكندرية وحدها حوالي 600 دير وكنيسة، بالإضافة إلى سلبها ونهبها وظلت خرابًا حتى الفتح العربي لمصر. كما خرب الفرس أيضًا ما كان في ريف مصر من كنائس وأديرة وكانت عامرة برهبانها، بالإضافة إلى ما كانت عليه مدينة الفرما من كنائس وأديرة. 
 
ولقد ساعد اليهود الفرس مساعدة كبيرة في تخريب الكنائس والأديرة المصرية، وسلب ونهب ما كان فيها من ممتلكات الكنيسة وقتل رهبانها كما فعلوا ذلك في الشام أيضًا. 
 
 الخراب الثاني لمدينة الفرما بصفة عامة كان على يد بلدوين ملك الفرنجة الذي أحرق جميع الفرما ونهبها 509هـ 
 
الخراب والدمار الأخير والنهب والسرقة لمعظم آثار سيناء على يد اليهود اثناء فترة احتلال سيناء بعد عام 1967 م. حيث قامت إسرائيل بالآتي:
1 - إجراء حفائر في مواقع عديدة في شمال وجنوب سيناء ونقلت جميع منقولات الحفائر إلى تل أبيب إلى جانب ما تصادفه من منقولات أثرية أثناء تجولها في سيناء.
 
2 -  تسبب إنشاء المواقع العسكرية فوق التلال الأثرية المرتفعة في تدمير جميع المنشآت المعمارية الأثرية.
 
3 - قامت إسرائيل بإنشاء وتمهيد كثير من الطرق لربط مواقعها العسكرية داخل سيناء من تربة المناطق والتلال الأثرية القديمة ويظهر ذلك بوضوح في مدينة بيلوز (الفرما)، حيث قامت بتدمير ونقل النصف الشرقي لمدينة الفرما لإنشاء وتمهيد الطرق التي تخدم أغراضها العسكرية، وأيضًا قامت بإنشاء المواقع العسكرية فوق تلال الفرما والمحمدية والقلس نظرًا لإرتفاعها، وقد تعرَّضَ دير العذراء هذا لأضرار بالغة نتيجة الموقع العسكري الإسرائيلي الذي كان يعتلي مباني الدير وبقية تلال وأكوام مدينة الفرما، وقد استردت مصر بعض آثار سيناء المسروقة والمنهوبة لدى إسرائيل وتم ايداعها مخازن المتاحف في مصر.
 
الدير محاط بسور ضخم يضم داخله المحتويات الآتية:
بازيليكا كبرى تتوسط المكان مساحتها 86 م × 42 م مكونة من خمسة أجنحة، وتعتبر ثاني أكبر بازيليكا بعد بازيليكا أبي مينا.
 
بازيليكا ثانية في الجهة الشمالية الشرقية داخل الدير مساحتها 18م × 9م مكونة من ثلاثة أجنحة.
 
مجموعة كنائس في مكان واحد ربما يصل عددها إلى خمسة كنائس ترجع إلى عصور مختلفة أقدمها يرجع إلى القرن الرابع وتنتهي بالقرن السابع الميلادي، وتم الكشف أسفل أرضية كنيسة في هذة المجموعة عن سرداب يضم ما يقرب من عشرة مدافن.
 
كنيسة صغيرة داخل الرواق الشمالى - مغارة خاصة بالقديس إيسيذورس - المعصرة - رحاة.
 
حمام مكون من عدة غرف مجهزة بالمياة الساخنة والدافئة والباردة وأفران ومواقد لتسخين المياه - حمام شعبي.
 
غرف خدمية - مطابخ - القصر (غرف فندقية للضيوف والزوار والحجاج(
 
قلالي.
 
غرفة المائدة - أفران خبيز - أفران لصناعة الزجاج والفخار.
 
مجموعة ضخمة من خزانات المياة، اثنان منهم داخل الدير لتخزين المياة وثالث خارج الدير من الجهة الجنوبية مجهز لتخزين مياه الامطار وعدد كبير من الأحواض والخزانات بجوار ساقية قديمة للمياة ربما ترجع إلى القرن الخامس الميلادي مصدر مياهها قناة متفرعة من الفرع البيلوزي في الجهة الغربية خارج الدير.
 
قنوات عديدة من شبكة للصرف الصحي منظمة ومصممة بدقة وإتقان في أنحاء متفرقة أسفل الأرضيات تتصل بالحمامات والمطابخ ومرافق الدير لصرف المياة إلى خارج الدير.
 
حظيرة دواب (إسطبل(.
 
المدخل: توجد البوابة الرئيسية بالدير بالجهة الغربية الجنوبية وهي متعددة المداخل ربما كانت مزينة بقو
 
س النصر - يوجد مدخل آخر في الجهة الجنوبية.
بدأ المجلس الأعلى للآثار أول حفائر في هذا المكان عام 1988 م وتستكمل الحفائر سنويًا حتى الآن.
وكشفت بعثة سويسرية في الجهه الجنوبية الشرقية داخل الدير عن خمسة كنائس في مكان واحد لعصور مختلفة، ومجموعة مدافن أسفل أرضية إحدى الكنائس.